على الرغم من الهجوم في دمشق.. قواعد المواجهة مع إيران لا تزال قائمة
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الجمعة 5 أبريل 2024 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
بدأت قواعد اللعبة التى تديرها إسرائيل على الساحة السورية بالتغير منذ ديسمبر، عندما قُتل رضى الموسوى، «منسق العمليات» المسئول عن شحنات السلاح بين إيران وحزب الله، فى هجوم صاروخى منسوب إلى إسرائيل بالقرب من دمشق. بعد مرور شهر، وفى 20 يناير، قُتل رئيس الاستخبارات فى فيلق القدس فى سوريا حجة الله صادق أوميدفار وآخرون. لكن الهجوم المباشر على القنصلية الإيرانية فى دمشق، الذى أودى بحياة قائد فيلق القدس فى سوريا ولبنان ونائبه، بالإضافة إلى مسئولين إيرانيين رفيعى المستوى، اعتُبر كسرا لكل القواعد.
وبناءً على ذلك، من الممكن أن يؤدى هذا الهجوم إلى ردّ إيرانى مختلف عن لغة التهديدات التى تميزت بها سياسة طهران حتى الآن. الفارق الأساسى، على ما يبدو، يشكل سابقة، إذ هاجمت إسرائيل مبنى رسميا إيرانيا، وليس قاعدة عسكرية سورية، يوجد فيها ضباط إيرانيون، أو منشأة تابعة لحزب الله «تستضيف» مستشارين ومدربين إيرانيين.
كما انهار هنا ما يسمى «هامش الإنكار» الذى يسمح لإسرائيل بالإنكار، أو على الأقل بعدم الاعتراف بأنها هى التى تقف وراء الهجوم. إيران أيضا لا تستطيع الاختباء خلف ستارة مريحة لها والادعاء أن الهجوم هو جزء من الحرب بين إسرائيل وحزب الله، أو أن إسرائيل هاجمت أهدافا فى سوريا لا علاقة لها بإيران (وبالتالى لا يُعتبر هجوما مباشرا يستدعى الرد).
لكن سبق لإسرائيل أن خرقت «هامش الإنكار» أكثر من مرة، عندما استعرضت قوتها الاستخباراتية، وعرضت على الملأ الأرشيف الذى سرقته من داخل إيران، فضلا عن عمليات منسوبة إلى إسرائيل، مثل مهاجمة أهداف فى داخل إيران واغتيال مسئولين رفيعى المستوى فى داخل الأراضى الإيرانية. وكانت الذروة فى نوفمبر 2020، باغتيال رئيس البرنامج النووى الإيرانى محسن فرح زادة فى قلب طهران، فى هجوم اعتُبر يومها تغييرا فى قواعد اللعبة، لكن على الرغم من توعُّد طهران «بانتقام قاسٍ»، فهى لم تنجح فى القيام بردّ يكون ضرره مساويا للضرر الذى لحِق بالبرنامج النووى. وحتى الآن، لم تتمكن إيران من الانتقام لاغتيال قاسم سليمانى الذى اغتالته الولايات المتحدة فى يناير 2020 خلال جولة له فى بغداد.
والسؤال المطروح اليوم هو: هل ما لم يتسبب به اغتيال سليمانى، يمكن أن يحدث الآن، بعد اغتيال زاهدى. أى هل ستتخلى إيران عن القواعد التكتيكية للمواجهة التى تخوضها، والتى تتيح لها المحافظة على موقعها الاستراتيجى، وتنتقل إلى هجوم مباشر يضعها، ليس فقط فى مواجهة مع إسرائيل، بل فى مواجهة مع الولايات المتحدة؟ وعمليا، مثل هذا الهجوم سيفصلها عن «محور المقاومة» الذى تؤدى فيه دور المساند والموجّه والاستشارى والمدرب، وتقوم بفتح جبهة مستقلة تتحول فيها إلى هدف.
هذه المعضلة تدركها طهران جيدا. على سبيل المثال، يوجد بين واشنطن وطهران حوار منذ بدء الحرب، صحيح أنه غير مباشر، لكنه واضح ومستمر، تنقل عبره الولايات المتحدة رسائل تهديد إلى إيران. على سبيل المثال، بعد التهديد الأمريكى والهجمات على قواعد تابعة لميليشيات موالية لإيران فى العراق، أمرت إيران هذه الميليشيات بالتوقف عن مهاجمة أهداف أمريكية فى العراق وسوريا، ومنذ 4 فبراير، يسود الهدوء هذه الساحة.
بررت إيران هذه التوجيهات للميليشيات بحجة أنها لا تريد إلحاق الأذى بتقدم المفاوضات بين العراق والولايات المتحدة بشأن انسحاب كل القوات الأمريكية من العراق. كما توجد مفاوضات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، بوساطة من سلطنة عُمان، التى تضغط على إيران من أجل «تهدئة» الحوثيين. لم تثمر المفاوضات أى نتائج، ويبدو أن أحد أسباب ذلك أن إيران لم تشأ اختبار قدرتها على الضغط على الحوثيين الذين لديهم جدول أعمال مستقل. حتى الآن، من النتائج الأساسية للحوار الدبلوماسى الإيرانى ــ الأمريكى، طبيعة المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، إذ يقف الطرفان على حد السيف، ويوسّعان حدود ردودهما، ومع ذلك، يتجنبان حربا شاملة، على الرغم من أن الصراع الدائر، من حيث حجمه ومستواه، مؤهل فعلا، فى ظروف أُخرى، ليحمل صفة حرب.
لدى إيران القدرة على الاستفادة من أذرعها وجعلهم شركاء كاملين فى حربها، إذا قررت ذلك.
استخدام حزب الله للرد على اغتيال زاهدى هو التهديد الأخطر الذى تستطيع إيران استعماله. لكن القيود السياسية والاستراتيجية التى تقيدها فى لبنان، وحدود الصراع الدائر بين إسرائيل وحزب الله لن تتغير بسبب الاغتيال. تعمل طهران وفق معادلة استراتيجية خاصة بها فى مواجهة إسرائيل، وليس لديها قوة عظمى يمكن أن تنضم إليها وقت الحرب، حتى لو هاجمتها قوات أمريكية.
إيران لا تستطيع الاعتماد على روسيا (التى سارعت إلى الدعوة إلى انعقاد مجلس الأمن، بعد اغتيال زاهدى) ومطالبتها بإلغاء اتفاق التنسيق بينها وبين إسرائيل، الذى فى إطاره، لإسرائيل حرية العمل الجوى فى الأجواء السورية. هذه الاعتبارات يمكن أن تفرض على إيران التمسك بردّ تكتيكى لا يضعها فى موضع اختبار، ولا يعرّض أرصدتها للخطر.
تسفي برئيل
هآارتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية