من الواضح أن إصلاح منظومة الصحة فى بلادنا لن تخرج عن دائرة الكلام وافتعال القضايا الوهمية والخطب النارية والحوارات مغلقة الدوائر وأحاديث الوهم والسفسطة فى برامج القنوات الفضائية.
أتابع بأسى بالغ القضية الوهمية التى أثارها نائب المجلس الهمام ويدافع عنها ببساسة منقطعة النظير أولى بها التصدى لقضية الإرهاب على سبيل المثال والحصر.
تطوع سيادة النائب بإثارة قضية محسومة من قبل الأطباء ولا أعلم فى الواقع هل هو حقا طبيب أم صاحب محل لبيع السيارات بنبروه دقهلية، كما سجلت شبكات التواصل الاجتماعى. سيادة النائب بسام فليفل تقدم بمشروع قانون يقضى بعدم جواز عمل الأطباء والفنيين والممرضات فى مستشفيات الدولة إذا ما كانوا مرتبطين بأعمال أخرى خاصة. كانت النتيجة أن ردت المستشارة الدكتورة أمانى بغدادى ممثل قطاع التشريع بوزارة العدل بعد مراجعة مشروع القانون «أنه ليس به عوار دستورى». ولكنه يتعين أخذ رأى وزارتى الصحة والمالية؛ لأنه يتضمن التزامات مالية مؤكدة أنه لا يصلح تعديلا لقانون قائم ولكن يجب أن يسن له قانون جديد.
أما مشروع القانون سيداتى وسادتى «الأطباء والطبيبات الذين تم استخراج رخص عيادة لهم بعيادات ومستشفيات ومراكز أشعة ومراكز طبية ومعامل تحاليل وصيدليات خاصة لا يصرح لهم للعمل بالحكومة فى حالة تمسكهم بالعمل الخاص والتزامهم بتقديم استقالتهم من وزارة الصحة على أن تكون المفاضلة اختيارية وليست جبرية».
أسعدنى الحظ بمتابعة سيادة النائب فى برنامج تليفزيونى انتظرت أن يتحدث عن مبررات حقيقية لمشروعه وتوقعت أن يفتح ملفا تم إعداده للدفاع عن قضية ومستندات وموافقات ومعالم استراتيجية واضحة تم التخطيط لها بعد استدعاء السادة وزراء الصحة والعدل والمالية والتضامن الاجتماعى ومناقشتهم وسماع آرائهم.. تهيأت لسماع حيثيات قضية تهم كل أطباء مصر ومرضاها ففوجئت بخناقة حامية الوطيس تسيدها السيد النائب ولقن الزملاء أعضاء النقابة الأطباء درسا قاسيا فى احترام وتقدير مجلس النواب الحالى الذى سيذيقهم «ألوان العذاب» ويفتش عليهم «حتى ينتظموا فى أداء خدمة المواطنين الذين صوتوا له فى الانتخابات».
كنت أحدق فى الشاشة بعد أن تاهت منى الصور.. مرة أخرى أرى سيادة النائب منفعلا مهددا غاضبا وللحظات توه منى الصورة ليحل محلها صورة ديك رومى ينفجر غاضبا لينفش ريشه بالكامل هالة سوداء تحيط برأسه الصغير وقد اعتلاها عرف قانى الحمرة يهتز فى عصبية بينما الكلام يهدر من منقاره غريب غير مفهوم مختلط الملامح يعقبه تلك الكركرة المميزة له.
يبدو والله أعلم أن بث القنوات قد تداخل عمدا.
يا سادة: لن يعترض فى مصر كلها طبيب واحد على أن يتفرغ للعمل كل الوقت بمستشفيات الدولة إذ ما وفرت له الدولة أجرا كريما يكفل له حياة كريمة ويضمن له كرامة تليق برسالة مهنته السامية فهل تملك الدولة الآن؟.. لن يتوانى أحد أيضا عن هجر مستشفاه واللجوء لأقرب مركز طبى خاص ليعمل فيه طوال الوقت إذا ما طبق هذا القانون بالفعل.
سيادة النائب هل تدبرت تداعيات هذا القانون إذا ما طبق بالفعل قبل أن تشرع فى مناقشته؟ هل بلغك أن بدل عدوى الطبيب حتى اليوم تسعة عشر جنيها بدلا من ألف التى حكم لهم بها، هل أنت حقا مهموم بقضايا الصحة فى بلدك وأنك تؤمن بأن مجلسك الموقر قادر على حلها؟
أخشى يا سيدى أن تتبنى حملة «اكفل طبيب» بالشهر الكريم على الأبواب فى محاولة منك لحل المشكلة بأسلوب علمى.
السادة نواب الشعب: راجعوا جيدا قائمة المهام المطلوبة منكم وحددوا مسئولياتكم والتزموا بها. لا تجرونا دائما لدوامات الكلام والقضايا الوهمية فى محاولات الإيهام بأنكم بالفعل مهمومون بقضايا هذا الوطن الذى يعاقبه سبحانه بنا.
قد يغيب عن القوانين «العوار الدستورى» لكن المسرحيات السياسية ومحاولة افتعال القضايا وجر الناس لدوامات الكلام والانفعال دون عمل حقيقى أو منهج علمى للإصلاح فهو حقا «عوار قومى» يجب أن يحاسب عليه كل من تسبب فيه.