(سبعبع) والذين معه
سيد محمود
آخر تحديث:
الأربعاء 6 مايو 2020 - 11:46 ص
بتوقيت القاهرة
لا أظن أن الممثل شريف الدسوقى الذى لمع أخيرا فى مسلسل: (بميت وش) سيتمكن من الجلوس من جديد على مقهى الندوة الثقافية بوسط القاهرة، فقد صار الهاوى الخجول الذى كان يتحصن بركن قصى فى المقهى نجما له وجه معروف، وتشغل صورته ومشاهده الضاحكة أغلب صفحات مواقع التواصل الاجتماعى التى تشيد بموهبته التى تدفقت بعذوبة نهر فى المسلسل الذى حسم السباق الرمضانى لصالحه بفضل مهارة مخرجته كاملة أبو ذكرى.
قبل القاهرة كان الدسوقى أو سباعى، (سبعبع) وجها معروفا فى فضاءات الثقافة المستقلة داخل الإسكندرية التى عمل فيها كاتبا ومخرجا مسرحيا وممثلا فى عروض الهواة والأفلام القصيرة التى يخرجها طلاب مدرسة الجزويت، إلى أن قدمه المخرج المبدع أحمد عبدالله السيد فى فيلم (ليل خارجى) أكثر أعمال المخرج بساطة وتميزا وشعبية.
نال الدسوقى عن هذا الدور جائزة أحسن ممثل فى مهرجان القاهرة السينمائى دورة العام ٢٠١٨ وكانت مفاجأة للجميع وشجاعة تحسب للجنة التحكيم التى غامرت بكسر التوقعات وكافأت ممثل جديد قدم دوره بمهارة تستحق التقدير، واكتمل المشهد بصعوده على المسرح بخطوات لم تكن خالية من اللهفة ابتسم بثقة أخفت الكثير من دموع الفرح.
قدم الدسوقى فى الفيلم دور سائق تاكسى مغامرا يعيش يومه بالتحايل على الآخرين لمغالبة ظرفه الاجتماعى، فى اشتغاله على الشخصية منحها كممثل عمقا يليق بجرح غائر يسير معه، فهو لم يكن كعادة المهمشين الذى يتعاطف المتفرج معهم من الإطلالة الأولى، بل على العكس من ذلك كان يقدم نفسه للمتفرج بالكثير من التوجس الذى يعمق الشك فى سلوكه، لكنه يؤسس بالمقابل لتعاطف دائم لا أظن أنه سيغادره، فملامحه على قسوتها الظاهرة تحمل عطفا يصعب تجاهله، وتؤرخ طيبته لمسيرة عناد مقرونة بإصرار على التقدم بالموهبة إلى حدها الأقصى.
وهو كممثل يذكر بالحضور الأصيل الذى كان لدى ممثل كبير مثل سعيد أبو بكر الذى تتصارع الطيبة مع الشقاوة فى ملامحه.
وليس الدسوقى وحده الذى كان يستحق هذه النجومية المباغتة التى جاءت فى منتصف سنواته الخمسين نتيجة جهد تراكمى وعمل دءوب لم ينقطع طوال سنوات (كحرتة وسف تراب)، ويشاركه فى هذا الاستحقاق ممثل آخر كبير يشاركه نفس العمل هو محمد عبدالعظيم الذى رأيته قبل ربع قرن بطلا لمسرحية فذة لا تتكرر كثيرا هى (غزير الليل) مع المخرج حسن الجريتلى.
ومنذ ذلك الحين تابعت خطواته المتمهلة والبطيئة آملا فى بلوغه ما يستحق وكانت مسرحية الثامنة مساء على مسرح الغد آخر ما قدم فى العام الماضى.
ورغم موهبته الطاغية وامتلاك أدوات الممثل الناضج ظل مصنفا ضمن باقة (سيئ الحظ) الذين لم يجدوا الفرصة الملائمة أو ربما لم تساعد اختياراتهم على الظفر بعمل ينقل علاقتهم بالجمهور إلى خانة أخرى تدفع بهم إلى الصف الأول.
انتظر الدسوقى ومعه (عظيمة) أكثر من ربع قرن حتى جاءت الفرصة فى نجومية كاملة تثأر لهما من سنوات الانتظار الطويل وتضعهما فى مكانة سبقهما إليها ممثلين كبار من أمثال أحمد كمال وسيد رجب وعارفة عبدالرسول.
والمفارقة الدالة أن هؤلاء جميعا ومعهم ممثلة رائعة لمعت فى نفس المسلسل هى دنيا ماهر مروا جميعا على فرقة الورشة المسرحية التى أسسها مغامر فذ هو المخرج الكبير (حسن الجريتلى) لا يزال قابضا على الجمر، مصرا على خياراته الفنية ولعله ذات يوم يضع صور هؤلاء على جدران مكتبه ويكتب من باب الفخر (مروا من هنا) أو العكس من ذلك يروى هؤلاء جميعا الكثير عن تجاربهم معه.
وصل هؤلاء النجوم إلى الناس، ربما متأخرين، لكنهم استقروا فى قلوبهم بالطمأنينة التى تمنحهم صك الإجادة، وصار حضورهم ضمانة لعلامة جودة خالية من جميع أشكال الغش التجارى ولم يعتمد نجاحهم على أى دعم أو مساندة من فرد له نفوذ أو جهة مهيمنة، إنها نجومية (القلوب)، التى لا تصح معها الرشوة أو الفساد أو أى شكل من أشكال التواطؤ.
ويكفى أصحابها أنهم قاوموا طويلا أشكال النجومية الزائفة التى ينفر منها الناس وفهموا أن شفرتها تشبه (لمعة الشعر المستعار) وتحتمل أى شد أو جذب، لأنها تصلح فقط لسهرة واحدة وعلى هؤلاء القادمين إلى منصة التتويج أن يتذكروا ما كتبته الممثلة النرويجية الرائعة ليف أولمن بطلة أفلام إنغمار برجمان فى كتابها الرائع «أتغير» فقد كتبت: (إن مذاق النجاح لا يدوم إلا يوما واحدا ويكون مريحا حين يأتى بعد فترة العمل المكثف، إنه طيب لكن الفشل بات الآن أكثر قربا لأن النجاح لا يتحمل إلا نجاحا أعظم أو فشلا آخر).