تحضيرا لوجود طويل.. أمريكا تعيد ترتيب «البيت الكردى» فى سوريا
مواقع عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 5 مايو 2020 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع 180 مقالا للكاتب علاء حلبى... جاء فيه ما يلى:
خطوات عدة متلاحقة تجريها الولايات المتحدة لبسط نفوذها وتمتينه فى المناطق النفطية فى الشمال الشرقى من سوريا، عن طريق التمدد الأفقى وإعادة تفعيل الدوريات وتأمين طرق الإمداد، بالإضافة إلى محاولة «ترتيب البيت الداخلى» للأكراد، عن طريق إيجاد صيغة تضمن الاستقرار بين المكونات الكردية المنقسمة بين موال لكردستان العراق وتركيا، وبين أكراد «قسد» وجبل قنديل، فى ظل التطورات الأخيرة فى العراق والتى تخشى واشنطن أن تتطور وتصل إلى مناطق نفوذها ومصالحها فى سوريا.
لقاءات ماراثونية تجريها الإدارة الأمريكية خلال هذه الأيام بين مختلف الأحزاب والفصائل الكردية لإيجاد صيغة توافقية تضمن اقتناع جميع الأطراف بحصص فى الإدارة السياسية والمحلية ضمن مناطق نفوذ الأكراد، آخرها اللقاءات التى أجراها المبعوث الأمريكى الخاص إلى سوريا وليم روباك مع قيادات وممثلى مجموعة من الأحزاب الكردية فى سوريا.
اللقاءات التى شملت ممثلين عن أكثر من 15 حزبا كرديا، بينها أحزاب فاعلة وتملك أذرعا مسلحة، لم تصل حتى الآن إلى صيغة توافقية ترضى الجميع، فى ظل بحث كل حزب عن حصة أكبر من «الكعكة» التى تقدمها الولايات المتحدة، إضافة إلى التداخلات الدولية فى هذا الملف.
مصدر كردى سورى رأى فى حديث إلى «180» أن الولايات المتحدة يهمها فى المقام الأول قطع الطرق أمام أى تقارب بين الأكراد بمختلف مشاربهم والحكومة السورية، إضافة إلى تضييق الخناق على روسيا التى أصبحت تتمتع بثقل كبير جدا فى الشرق السورى، خصوصا أنها تمسك العصا من المنتصف عن طريق فتح خطوط تواصل بين جميع المكونات الكردية، «سواء المجلس الوطنى الكردى» المرتبط بتركيا، أو حتى «قسد».
ولا تعتبر هذه اللقاءات حدثا طارئا أو غير متوقع، حيث تأتى فى سياق الجهود المتواصلة للتقريب بين المكونات الكردية، إلا أن توقيتها وضغوط واشنطن المتواصلة تكشف رغبة الولايات المتحدة فى تأمين «البنية الداخلية» للمناطق التى توجد فيها قواتها، التى بدأت تتعرض لمضايقات بشكل متصاعد من قبل سكان القرى المحيطة بالمواقع النفطية، عن طريق رشق المركبات العسكرية الأمريكية بالحجارة، أو حتى منع مرورها، وصولا إلى المقاومة بالسلاح، رغم ندرة الأخيرة.
وخلال الشهور الماضية، أعادت الولايات المتحدة الأمريكية انتشارها فى الشرق السورى بعد فترة وجيزة على الانسحاب من قواعد عدة، إثر قرار البيت الأبيض الانسحاب من سوريا، قبل أن يتراجع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن قرار الانسحاب، ويعلن رغبته استثمار حقول النفط السورية، الأمر الذى شكل بمجمله مرحلة جديدة.
وخلال فترة «الفراغ» التى ولدها قرار الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، والذى تزامن مع تقدم القوات التركية وقضم مناطق يسيطر عليها الأكراد، وعدم تقديم واشنطن أية مساعدات لـ «قسد»، تمكنت روسيا من توسيع انتشارها فى المنطقة، وأقامت قواعد عديدة، مستفيدة من علاقاتها القوية مع تركيا من جهة، وقنوات التواصل التى بنتها مع مختلف المكونات الكردية فى المنطقة، بالإضافة إلى علاقتها مع القوات الحكومية السورية، الأمر الذى أضاف ثقلا كبيرا للوجود الروسى، ما أثار قلق واشنطن، لتعود على الفور وتحاول «استيعاب الموقف» بشكل يضمن لها تحصين وجود قواتها، وضمان «استثمار» النفط السورى وبيعه من دون أى معوقات أو تهديدات تكون كلفتها البشرية والسياسية أكبر من المكاسب الاقتصادية من هذه الآبار.
أزمة قنديل
تسود حالة من القلق والتوتر فى الأوساط الكردية فى العراق وسوريا، منذ نحو أسبوعين، بعدما ارتفعت حدة التصريحات السياسية المصحوبة بتطورات عسكرية وميدانية إثر تقدم قوات من «الحزب الديمقراطى الكردستانى» الذى يترأسه مسعود برزانى الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، والذى تربطه بتركيا علاقات وثيقة، حيث قضمت القوات منطقة زينة ورتى التى يسيطر عليها «الاتحاد الوطنى الكردستانى» الذى تربطه بإيران علاقات جيدة.
تعتبر المنطقة التى تقدمت إليها قوات «الحزب الديموقراطى» والتى يسيطر عليها «الاتحاد الوطنى» منذ نحو 22 عاما إثر اتفاق موقع بينه وبين «الديمقراطى»، عقدة «حساسة» خصوصا أنها تعتبر بوابة جبل قنديل، معقل «حزب العمال الكردستانى». هذا التقدم تزامن مع قصف تركى على مواقع تابعة لـ«الكردستانى»، الأمر الذى فتح الباب على مصراعيه أمام احتمالية وقوع صدام كردى متعدد الأطراف ضمن منطقة حساسة جدا، خصوصا بعد تلميحات رئيس اقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزانى إلى أن الهدف من هذه التطورات «مواجهة نفوذ حزب العمال»، ونزول مقاتلين من «الكردستانى» من مواقعهم إلى مواقع متقدمة فى زينه ورتى، قبل أن تتراجع «البشمركة» عن حدة تصريحاتها وتضع هذا التقدم فى خانة «ضبط التنقل لمكافحة انتشار وباء كورونا».
هذه التطورات، والخوف من اشتعال فتيل الأزمة فى العراق، انسحب إلى الساحة السورية التى شهدت توترا ملحوظا، فى ظل العلاقات التى تربط الأحزاب الكردية فى سوريا بأحزاب العراق، وأبرزها العلاقات التى تربط «الحزب الديمقراطى» (البشمركة) بـ«المجلس الوطنى الكردى»، وعلاقات «حزب العمال» بـ«حزب الاتحاد الديمقراطى» الذى يقوده صالح مسلم، خصوصا أن اقتتالا كرديا كهذا من شأنه أنه يهدد «البيت الداخلى الكردى» الذى يعانى من تصدعات عديدة، إضافة إلى كونه قد يفتح الباب على مصراعيه أمام تركيا لقضم المزيد من المناطق الكردية.
من جهة أخرى، ترى قوى سياسية كردية أن ارتفاع منسوب التوتر والتهديد التركى لـ «حزب العمال» فى معقله الرئيسى (جبل قنديل) قد يمثل فرصة لـ «تصفية الأجواء السورية» عن طريق انسحاب مقاتلى «حزب العمال» من سوريا إلى معقلهم التاريخى للدفاع عنه، الأمر الذى سيخفف من حدة الأوضاع السورية، وسيساهم فى تحقيق توازن فى الساحتين السياسية والعسكرية الكرديتين، وتقريب وجهات النظر بين القوى الكردية، وسط اتهامات لقيادات «حزب العمال» بالوقوف وراء السياسات الإقصائية التى تمارسها بعض الأحزاب والقوى، وأبرزها «حزب الاتحاد الديمقراطى».
خطة واشنطن
على الرغم من استفادة الولايات المتحدة الأمريكية من الانقسامات الكردية بشكل كبير، والتى بدت واضحة فى سوريا من خلال التشكيلات العسكرية «قسد» التى مهدت الأرض للقوات الأمريكية وضمنت مناطق نفوذها دون تكاليف بشرية، يبدو أن واشنطن ترى فى هذه الانقسامات مشكلة فى الوقت الحالى، حيث تبحث عن طوق آمن لقواتها ولمصالحها النفطية، الأمر الذى تعكره هذه الانقسامات.
ووفق ما تسرب من اللقاءات التى تجريها الولايات المتحدة مع الأحزاب الكردية، تركز واشنطن بشكل رئيسى على سحب البساط من تحت «قسد» وتفكيكها بشكل غير مباشر وإعادة تركيبها مرة أخرى، عن طريق إنشاء تشكيلات كردية ــ عربية مهمتها حماية المناطق النفطية، بالإضافة إلى إيجاد صيغة مُرضية لجميع القوى السياسية تضمن مشاركة الجميع فى «الإدارة الذاتية» ضمن نظام محاصصة يقوم على مبدأ وجود تمثيل سياسى فى الإدارة يوازى القوة العسكرية والحضور السياسى لكل حزب.
وتواجه الولايات المتحدة فى مشروعها مجموعة من المعوقات أبرزها المنافسة الروسية الشديدة فى المنطقة، ونفور قسم كبير من العشائر لأسباب بعضها يعود إلى أحداث حرب العراق حيث اتخذت العشائر العربية موقفا رافضا للغزو الأمريكى، وأرسلت الكثير من أبنائها لمقاومته، بالإضافة إلى الخلافات التاريخية الكبيرة بين بعض العشائر والأكراد.
كذلك، تواجه واشنطن مشكلة تتعلق بإصرار تركيا على إقصاء «حزب الاتحاد الديمقراطى» من المشهد السياسى، وتصعيد «المجلس الوطنى الكردى»، الأمر الذى لا تخفيه أنقرة، وهو ما تسبب بفشل المفاوضات الجارية بين الأحزاب الكردية حتى الآن.
أمام هذه المعطيات، يبدو أن الأكراد أمام تغييرات مستقبلية مفصلية ستساهم بقضم «نفوذهم» العسكرى خصوصا مع تخلى واشنطن بشكل متواتر عن «قسد» كقوة عسكرية، وإنشاء تشكيلات موازية لحماية المصالح الأمريكية النفطية، بالإضافة إلى التصعيد التركى المتواصل ضد «حزب العمال الكردستانى» فى العراق و«حزب الاتحاد الديمقراطى» فى سوريا، ورغبة واشنطن إبعاد أنقرة عن الحضن الروسى، ما يعنى «حرق» الورقة الكردية تدريجيا، وضياعها فى خضم صراعات ومصالح الدول الكبرى.
النص الأصلى
https://bit.ly/2Wtfr72