كيف انتصرت ثورة مصر على الهزيمة؟
محمد السماك
آخر تحديث:
الأحد 5 يونيو 2011 - 9:34 ص
بتوقيت القاهرة
لو أن الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك لا يزال فى السلطة هل كانت مصر توافق على تأييد قرار جامعة الدول العربية باللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى شهر سبتمبر المقبل لاستصدار قرار أممى بالدولة الفلسطينية؟ وهل كانت السلطة الفلسطينية تجرأت على تجاوز الموقف الأمريكى وطالبت الجامعة العربية باتخاذ هذا القرار؟ وهل كانت الدول العربية الأخرى استجابت إليه كما حدث بالفعل؟ لقد كان الرئيس مبارك ضابط حركة التقلبات فى المواقف العربية ــ الإسرائيلية عامة، والفلسطينية ــ الإسرائيلية خاصة على إيقاع معاهدة السلام المصرية ــ الإسرائيلية من جهة، وعلى إيقاع الالتزام بثوابت السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط. ومع إقصائه، تغير الإيقاع وتبدلت تبعا لذلك حركة التقلبات. وكان من أبرز تجلياتها قرار التوجه الفلسطينى ــ العربى إلى الأمم المتحدة. فالقرار يشكل تحديا لإسرائيل، وعصيانا على الولايات المتحدة. وما كان لهذين الأمرين أن يحدثا بوجود الرئيس السابق حسنى مبارك رئيسا لمصر.
••••
لم يكن هذا القرار هو التجلى الوحيد لمرحلة ما بعد مبارك. هناك قرار فتح معبر رفح مع قطاع غزة والذى كان أقفل بوجه سكان القطاع المحاصر طوال خمس سنوات. وتشكل إعادة فتحه تحديا لإسرائيل وعصيانا للتوجيهات الأمريكية.. ثم إن فتح المعبر سوف يزيل عن كاهل المجتمعات الأهلية فى العالم مسئولية نجدة المليون ونصف المليون من سكان غزة الذين حرموا من كل احتياجاتهم الإنسانية بما فى ذلك الدواء والمواد الغذائية طوال سنوات الحصار الطويلة.
وهناك قرار إخراج المصالحة الفلسطينية ــ الفلسطينية بين حركتى حماس وفتح من دوامة الدوران من فراغ الصراع حول أسس التسوية. وكأن الصيغة التى وضعت فى عهد الرئيس السابق مبارك كانت مقصودة لتعطيل المصالحة لما تضمنته من شروط على حماس ظلت ترفضها حتى سقط مبارك. وبعد سقوطه تغيرت الصيغة، ووجدت المصالحة الوطنية طريقها إلى التنفيذ. وهكذا فإن ما بدا مستحيلا قبل الثورة المصرية، تحقق بأقل قدر من الجهد التوفيقى بعد الثورة. فكان اتفاق القاهرة الذى يتوقع أن تنبثق عنه حكومة فلسطينية جديدة تحظى بموافقة فتح وحماس معا، وتعيد اللحمة إلى الصف الوطنى الفلسطينى الممزق.
لقد وجهت المصالحة الفلسطينية ضربة قاسية إلى البرنامج السياسى الإسرائيلى القائم أساسا على الانقسام الفلسطينى، ولذلك دوت صرخات الاستهجان الإسرائيلية إلى حد مطالبة إسرائيل رسميا وعلنا من الرئيس محمود عباس التخلى عن المصالحة، وربط التفاوض معه بقطع العلاقة مع حماس. واستجابت الولايات المتحدة ــ كما هى دائما ــ لهذا الموقف الإسرائيلى وطالبت الرئيس عباس بفك الارتباط بحماس. إلا أن القوة المادية والمعنوية التى كانت تؤثر على موقفه، وهى رئاسة حسنى مبارك تداعت وانهارت.. وبرزت قوة الثورة المصرية التى أعادت الروح إلى الالتزام بالثوابت القومية مرة أخرى.
••••
وكان كذلك قرار إعادة النظر فى اتفاقية تصدير الغاز المصرى لإسرائيل. وهى اتفاقية ظالمة لمصر واسترضائية لإسرائيل على حساب حقوق الشعب المصرى بثروته الطبيعية.
وكان قرار السماح بالمظاهرات الشعبية الاحتجاجية أمام مقر السفارة الإسرائيلية فى القاهرة بمناسبة ذكرى اغتصاب فلسطين وإعلان الدولة الإسرائيلية. وهو الأمر الذى كان محرما فى عهد الرئيس السابق مبارك. وقد تزامنت تلك المظاهرات مع المسيرات الفلسطينية فى لبنان وسورية إلى الشريط الحدودى مع إسرائيل، حيث سقط من المتظاهرين أحد عشر شهيدا برصاص القوات الإسرائيلية. ولقد فهمت إسرائيل الرسالة، ومفادها ان الحظر العربى الذى كان مفروضا على التحركات الشعبية ضد اغتصابها قد رفع.
ثم كان قرار الانفتاح على إيران الذى أثار قلقا واسعا فى كل من إسرائيل والولايات المتحدة. ذلك أن هذا الانفتاح الذى يطوى ثلاثة عقود من المقاطعة السياسية الكاملة مع طهران يتحدى فى جوهره الثوابت الاستراتيجية الأمريكية ــ الإسرائيلية بشأن التعامل مع ايران على خلفية ملفها النووى. ولقد تقيدت مصر مبارك بهذه المقاطعة طوال تلك الفترة إلى أن تجاوزتها الثورة المصرية بمبادرتها الانفتاحية على إيران. غير أن هذه المبادرة الانفتاحية لم تنتكس إلا بعد أن ارتفعت شكاوى دول عربية عديدة، خصوصا دول مجلس التعاون الخليجى من التجاوزات الإيرانية خصوصا بعد أحداث البحرين. ثم جاءت عملية التجسس التى كان يقوم بها أحد الدبلوماسيين الإيرانيين فى القاهرة لتجهض هذا الانفتاح وتعطله.. ولو إلى حين.
••••
لقد أدى انكفاء مصر حسنى مبارك عن دورها العربى والإقليمى إلى تراجع أداء جامعة الدول العربية، ومن ثم إلى اقتحام كل من تركيا وإيران وإسرائيل مسرح المنطقة. وبعد توزيع الأدوار بين هذه القوى الثلاث بدأ توزيع مناطق النفوذ، إلا أن قيام الثورة المصرية أوقف كل تلك العملية الخطيرة. فبدأت المنطقة العربية تستعيد هويتها من جديد بعد أن كادت تتحول إلى جوائز ترضية فى غياب أو تغييب الأمن القومى المشترك. كان «النسر» الإيرانى يحلق بجناحيه المقاومين، حماس فى غزة وحزب الله فى لبنان، وكان يوحى بأنه يستعد للانقضاض على إسرائيل التى عاثت فى الأرض فسادا بعد أن تخلت مصر مبارك عن دورها. فإذا بالثورة تستعيد الدور وتستعد للقيادة من جديد.
فالسودان ما كان ليتهاوى وينقسم إلى دولتين شمالية وجنوبية لولا الغياب المصرى شبه التام والذى تعامل مع أحداث السودان وكأنه غير معنى بها، سواء فى دارفور أو فى الجنوب. من هنا التساؤل هل كان السودان لينقسم لو أن الثورة المصرية قامت قبل أشهر قليلة من تكريس هذا الانقسام؟.
حتى مصالح مصر فى مياه النيل تعرضت للاستباحة من جراء هذا الغياب أو التغييب الذاتى عن أداء دورها التاريخى المؤثر فى أفريقيا. فقد بلغ هذا الدور من الهزال بحيث إن بعض دول حوض النيل تكالبت عليها كما تتكالب الأكلة إلى قصعتها بتحريض وتشجيع من إسرائيل والولايات المتحدة. فمصر ملهمة حركات التحرر الأفريقية بدأت وكأنها تقع فى قارة أخرى.. أو فى عالم آخر. إلا أن انفجار ثورة الشباب، أعاد ضخ الدم فى العروق من جديد.
••••
عندما وقعت هزيمة يونيو 1967 كتب الشاعر الراحل نزار قبانى قصيدة توقع فيها ما يحدث اليوم، وذلك عندما خاطب أطفال ذلك العام بقوله: «أنتم الجيل الذى سيهزم الهزيمة». وقد جاءت ثورة شباب مصر، أطفال 1967، لتدق أول مسمار فى نعش الهزيمة.