مسخرة على النيل

وائل قنديل
وائل قنديل

آخر تحديث: الأربعاء 5 يونيو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

هذا الذى جرى فى قصر الاتحادية أمس الأول لا ينبغى أن يمر دون مكاشفة ومحاسبة احتراما لرأى عام روعه ما نقلته كاميرات البث المباشر.

 

نحن أمام خطأ سياسى وإعلامى جسيم، حول مجرى النقاش من متون القضية الأصلية إلى الفروع والهوامش، وجعل الذين ظهروا عراة من المنطق والجدية والموضوعية يظهرون فى ثياب الحكماء الواعظين، وفتح الباب واسعا أمام تجار الإفيهات و«القلش» لكى يضبطوا نظاراتهم السميكة وينهالوا على رءوس الجميع بدروس فى أصول الدبلوماسية، وباختصار جاءت الفرصة للراسبين فى اختبار التربية الوطنية ليتباهوا بالنبوغ فى التفوق فى علم الكلام والسفسطة.

 

وبصرف النظر عما إذا كان ما شاهده الملايين عفويا أم مقصودا فإنه يبقى خطأ كبيرا، نزل بردا وسلاما على المتربصين فى الخارج والداخل، وأظهر النظام السياسى وكأنه يمارس المزاح فى وقت الجد، ناهيك عن أنه وفر غطاء للذين يمرحون ويلهون على شواطئ النضال الملوثة.

 

ومن ذلك أن رجلا مثل عمرو حمزاوى وجد نفسه مطرودا من جنة «الثورية الزائفة» ومن عجب أن الذين اتهموه ببيع القضية وخيانة الثورة فعلوا ذلك وهم يغطون فى روث التنسيق والعناق التام مع رموز دولة الزناديد والعكاشنة.. ويدهشك فى الأمر هذه الصفاقة والبجاحة المتناهية فى الطنين الأجوف والثغاء المضحك باسم الثورة من الوضع جلوسا على حجر الثورة المضادة، كتفا بكتف وزندا بزند مع فلول النظام الساقط وبقايا الحالمين بعودة المخلوع.

 

إننا نعيش أمام حالة شديدة الوضوح من النصب السياسى والتدليس الثورى تلخصها رسالة على بريدى الإلكترونى من الأستاذ يوسف يوسف يقرأ فيها ما يجرى على ضوء قضية شغلت المجتمع الأمريكى قبل سنوات وجسدت فكرة قلب الحقائق وتحويل الأبيض إلى أسود بمنتهى الخفة والشطارة.

 

إن المشهد يتطابق مع وقائع قضية «أوجيه سيمسون» الممثل ولاعب الكرة الأمريكى الأسود الذى قام بقتل زوجته السابقة وصديقها فى عام 1994. وبالرغم من وجود دلائل DNA فإنه حصل على براءة بإجماع المحلفين وهو ما يمنع إعادة محاكمته.

 

لقد ركز فريق الدفاع الشهير جدا فى قضية سيمسون على أن الشهود عنصريون وهو ما يجعل شهادتهم محل شك، وقام فريق بدراسة حياة كل أطراف القضية وخاصة ضابط الشرطة الذى قام بجمع أدلة الجريمة من مسرح الجريمة وبيت سيمسون. وتصادف أن كان هذا الشرطى فعلا عنصريا جدا، وعلى ذلك تحولت القضية من قضية قتل يصعب الدفاع عنها إلى قضية عنصرية يمكن إثباتها بسهولة.

 

وبالفعل شىء من ذلك يحدث فى مصر، من خلال فريق ضخم من لاعبى السيرك الإعلامى والسياسى يعبثون بأخطر القضايا وأكبرها، ويصرفون الأنظار عن الجوهر والمضمون، ليغرقوا الناس فى شكليات وتوافه، تتحول بالإلحاح المكثف إلى قضية محورية، بينما توارى قضايانا الحقيقية التراب.

 

لكنك قبل أن تلوم خصمك لأنه طعنك بالسلاح الذى أهديته إليه يجب أن تلوم نفسك أولا على أنك منحته ما يضربك به.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved