ضمير جمعى يموت
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأحد 5 يونيو 2016 - 10:20 م
بتوقيت القاهرة
نكاد فى بلاد العرب نفقد كل معنى للضمير الإنسانى.
منذ أيام قليلة صدر تقرير الأمم المتحدة (مكتب الأمين العام) عن «الأطفال والنزاعات المسلحة» والذى يوثق للمعاناة التى يواجهها صغار السن فى مناطق الحروب الأهلية والصراعات العسكرية بين الدول وفى المجتمعات التى ترتكب حكوماتها جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وتفرض على السكان الارتحال والنزوح واللجوء.
الأطفال السوريون والعراقيون والليبيون واليمنيون هم الأكثر معاناة وتعرضا لجرائم الحروب بين أقرانهم العرب. جرائم الإبادة التى يرتكبها الديكتاتور الدموى فى سوريا قتلت أكثر من ربع مليون إنسان بينهم الكثير من الأطفال، ودمرت البنى التحتية كالمدارس والمستشفيات والمنازل التى لا تميز بينها براميل الأسد المتفجرة. حرب الديكتاتور على شعبه دفعت ملايين السوريين إلى النزوح إلى مناطق إقليمية مجاورة، أو البحث عن ملاذات آمنة بهجرة غير شرعية وطلب اللجوء.
وكثيرا ما تزهق أرواح بريئة وهى تطرق أبواب الجوار الإقليمى أو هى على ظهر مراكب الهجرة غير الشرعية. ويتكالب على أطفال سوريا أيضا عنف عصابات الإرهاب كداعش وغيرها التى تقتل المدنيين على نحو ممنهج، ولا تتورع عن فرض السخرة العسكرية على الأطفال واستغلالهم البشع فى أعمال القتل والقتال والعمليات الانتحارية.
ما يحدث للأطفال فى سوريا يتكرر على نحو مماثل فى العراق وليبيا. يوثق التقرير الأممى لمعاناة أطفال البلدين جراء الاقتتال الأهلى المستمر وبسبب وحشية وعنف عصابات الإرهاب. لا تتورع ميليشيات الحشد الشعبى ولا داعش عن القتل الممنهج للمدنيين فى العراق، وإسقاط الضحايا من الأطفال والنساء والعجائز كمجموعات أكثر تعرضا للأخطار من غيرها وأقل قدرة على حماية نفسها.
وفى ليبيا التى تتوزع «حروبها الصغيرة» على مجمل مناطقها التى تتسم بكثافة سكانية مرتفعة نسبيا (باستثناءات محدودة)، ينتهك حق الأطفال فى الحياة وتدمر البنى التحتية التى يحتاجها الناجون للحياة كالمدارس والمستشفيات وتفرض عليهم أيضا السخرة العسكرية فى بعض المناطق.
أما اليمن، فيعانى بها الأطفال الأمرين بفعل الحرب وبفعل الاقتتال الأهلى فى مناطق متعددة. قتل للأطفال وتدمير للمدارس وللمستشفيات وغارات صاروخية على أماكن إيواء الفارين من جحيم الحرب والعنف، كل هذا يوثق التقرير الأممى لتورط ما يسمى «قوات التحالف العربى» فى ارتكابه تماما كما يوثق للعنف اليومى الذى تمارسه أطراف الاقتتال الأهلى فى المدن والقرى اليمنية والذى يسقط دوما بين ضحاياه أطفال وأبرياء من المدنيين.
وفى سوريا والعراق وليبيا واليمن تتدهور الظروف المعيشية لمن يظل على قيد الحياة من الأطفال بصورة مأساوية، وتتراجع أيضا تحت ضغط زيادة أعداد النازحين واللاجئين خدمات التعليم والرعاية الصحية والنفسية المقدمة للأطفال فى المخيمات والمعسكرات.
ولأن الإعلام فى بلاد العرب تسيطر على أغلب مساحاته إما الحكومات أو الأموال المتحالفة معها، ولأن النقاش العام فى بلادنا بات يخلو من العقل والأخلاق؛ تجاهلنا التقرير الأممى لكى لا نتورط فى إدانة الحكومات وعصابات الإرهاب التى تتورط فى انتهاك حق الأطفال فى الحياة وحق غيرهم أيضا. مجددا، لن يسعفنا الإنكار طويلا.