نبوءة مبارك
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 5 يوليه 2011 - 8:39 ص
بتوقيت القاهرة
لا أستطيع القول إن الجدل المثار منذ فترة حول الدستور أو الانتخابات أولا هو «معركة مفتعلة»، ولكنه بالتأكيد أصبح وكأنه «مولد وصاحبه غايب»، بعد أن اقتحم هذا الجدل أفاقون ومهرجون ومراهقون سياسيا، صدعونا بمعاركهم الوهمية وصخبهم الفارغ وشوشرتهم الساذجة، على أصحاب الآراء الرصينة والكتابات الجادة، تماما كما تفعل ــ على حد قول صديقى الشاعر عماد أبوصالح فى إحدى قصائده ــ الكلاب البائسة فى قريته التى لا تنبح فى الليل إلا على أصحابها!
صحيح أن بعض الأصوات المحسوبة على التيارات الإسلامية اعتمدت دعايات كاذبة، بأن التصويت بنعم للتعديلات الدستورية هو تصويت للدين، وبعضهم أطلق على الاستفتاء «غزوة الصناديق» فى استدعاء فج وممجوج لغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أننى أكاد أجزم أن الإخوان لو حازوا على الأغلبية البرلمانية، وشكلوا غالبية لجنة إعداد الدستور الجديد، فإنهم لن يجرؤا على تقسيم الأمة بوضع دستور على مزاجهم أو طبقا لأجندتهم الأيديولوجية، دون أى اعتبار لشركائهم من العلمانيين واليساريين الذين كانوا «إيد واحدة» فى ثورة 25 يناير!
الإخوان أذكى من أن يقعوا فى هذا المطب، وأشطر من أن يشتروا الحكومة والدولة باسمهم مثلما كان يفعل الحزب الوطنى غير الديمقراطى المنحل. والدليل على ذلك أن حزب الإخوان بذل جهودا كبيرة لبناء تحالفات سياسية مع الأحزاب المتناقضة معه، كما أبدوا مرونة فى قبول القوى اليسارية وفى تبديد مخاوف الأقباط منهم، لأنهم يدركون ان استحقاقات المرحلة المقبلة أكبر من قدرتهم وحدهم على احتمالها!
أنا شخصيا كنت مع القائلين بـ«لا» فى الاستفتاء، وكنت أتمنى أن نبدأ بالدستور قبل إجراء الانتخابات حتى نبنى الأساس المتين لنظامنا السياسى القادم، لكنى لا أستطيع فهم مولد شق الجيوب ولطم الخدود الذى يقيمه هؤلاء المهرجون والمراهقون، فالمعركة الحقيقية التى يجب أن نخوضها الآن هى وضع ضمانات دستورية يتفق عليها الجميع قبل إجراء الانتخابات، ومطالبة المجلس العسكرى بضبط البلطجية، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية وتطهير الدولة من مافيا نظام مبارك وسرعة محاكمتهم، وتعويض أسر الشهداء.
مليونية يوم الجمعة القادم رسالة تحذير للجميع، حكاما ومحكومين، مهرجين وجادين، بأن الصبر كاد أن ينفد فى مواجهة محاولات تشويه الثورة بالمعارك الوهمية، والتباطؤ فى مواجهة فلول النظام القديم، والتغاضى عن استمرار العنف الذى تقف وراءه جهات مجهولة.. فهل ينصت الجميع لهذه الرسالة قبل أن تتحقق نبوءة مبارك المشئومة: «أنا أو الفوضى»؟!