مسئولية الصحافة الرياضية
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
الأحد 5 يوليه 2020 - 8:05 م
بتوقيت القاهرة
** التاريخ لا يكتب من موقع الحاضر، ولا يصاغ بالهوى، ولا من مواقع المشجعين والمحبين، ولا يكتب بالذاكرة، سواء ذاكرة الكاتب أو ذاكرة من عاشوا هذا التاريخ أو شاهدوه أو سمعوه. فالتاريخ فى بلدنا يحدث له كثيرا أن يكون بالذاكرة وبالمشاهدة وبالسمع، وبالهوى..
** تلك مقدمة أراها ضرورية فى حديثى عن الصحافة الرياضية العالمية والمصرية ودورها فى حركة الرياضة وفى تطورها بمناسبة اليوم العالمى لها. ولولا ما سجلته الصحافة الرياضية المصرية فى زمنها لكنا فقدنا الكثير جدا من تاريخ الحركة الرياضية المصرية. ففى مطلع القرن العشرين، فى ذاك العصر والزمن الذى شهد ميلاد أندية ولعبات وأبطال كانت شهادات الصحافة وأقلام الكتاب الرياضيين هى الوثائق التى نعتمد عليها.. وقد ساهمت الصحافة الرياضية المصرية فى تطوير الحركة الرياضية ونشرها وتعريف الشباب بها وبأهمية هذا النشاط الإنسانى الجميل حتى أن بعض كبار الصحفيين كانوا يكتبون مقالات عن علاقة الرياضة بالصحة، وهم من أشاعوا مقولة: «العقل السليم فى الجسم السليم »..
** لاشك أن الاستاذ إبراهيم علام هو رائد الصحافة الرياضية المصرية.. ولكن فى بعض مراجعه غابت الدقة التاريخية وتاهت منا المعلومة حين تأثر بظروف العصر وقت كتابه مذكراته أو بعضا من كتبه، مثل قصة أول مباراة بين الأهلى وبين الزمالك فى عام 1917، إذ يبدو أنها كانت بين الزمالك أو المختلط وبين فرقة حسين حجازى. إلا أن الاستاذ إبراهيم علام كان صحفيا شديد الشغف بالرياضة وبقيمها ويقدرها. ولعب دورا مهما فى تأسيس الاتحاد المصرى لكرة القدم وكذلك فى تمصير الزمالك حسب ماجاء فى نص مذكراته.. وأيضا لعبت جريدة الأهرام دورا مهما وتاريخيا فى تطوير الصحافة الرياضية ونشر النشاط الرياضى، على الرغم من أنها هاجمته فى نهاية القرن التاسع عشر..
** يقال أن هوميروس هو أول صحفى رياضى فى التاريخ، حين كتب فى الأوديسا عن كرة مشعة. لكن فى الولايات المتحدة صدرت أول صحيفة رياضية متخصصة عام 1829 و تحمل اسم «روح العصر». وفى 13 أكتوبر عام 1902 أصدر الفرنسى هنرى ديسجرانج صحيفة يومية وكتب فيها مدير تحريرها روبير جيرين أول وصف لمباراة كرة قدم، بين منتخبى المجر والنمسا.. إلا أن الصحافة الورقية المكتوبة ظلت لعقود طويلة توثق للرياضة، وتنشر النشاط وتهتم به، وتنثر قيمه العظيمة، والصحافة عموما هى التى قال عنها أمير الشعراء أحمد شوقى فى النصف الأول من القرن العشرين».
لكل زمان آية.. وآية هذا الزمان هى الصحف
** الآية الإعلامية أصبحت الإذاعة، ثم التليفزيون ثم الإنترنت، ثم مواقع التواصل الاجتماعى، مع فارق مهم جدا بين كل تلك الوسائل، وهى مسئولية الصياغة، ومسئولية البث الإذاعى، والتليفزيونى، بعيدا عن زمن إعلام الهوى، والهواية، والغواية، فهو هنا غير مسئول، بينما المسئولية الحقيقية للوسائل القديمة تضعها فى موقعها الذى تستحقه، مقارنة بغياب تلك المسئولية فى مواقع التواصل الإجتماعى، أو بالأحرى إفتقادها الدقة، وتأثرها بالهوى، وبالنظرة المسطحة، البعيدة عن العمق..
** اتسع تعريف الصحفى باتساع الوسائل، وسوف تظل قيمة الصحافة المكتوبة كوسيلة إعلام، وسوف تظل قيمة الصحفى والصحافة كمهنة، لأن الكاميرا تسجل بعدستها اللحظة، ومواقع التواصل تسيطر عليها السرعة والتسرع، فتغيب الدقة.. لكن قلم الصحفى البارع والمبدع، يسجل بأحباره وبعينه ما وراء اللحظة، وكواليس اللحظة، وكل ما غابت عنه عدسة الكاميرا والكادر الذى سلطت عليه عدسة الكاميرا..