فى تعريف الفهلوة والفساد!
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 5 أغسطس 2018 - 9:20 م
بتوقيت القاهرة
كما السرطان ينتشر ويتغلغل بين أدراج المؤسسات وخلف الجدران المعتمة بل أحيانا وفى وضح شمس النهار الحارقة.. ينتقل من جيب إلى آخر ويتساقط معه مسئول خلف مسئول خلف مسئول.. لا يبدأ بالكبار وينتهى عندهم بل يتسلل بردا وسلاما إلى أصغر موظف وعامل.
***
كان الأمر فى السابق مخجلا عندما يقال عن أحدهم إنه مرتشٍ أو فاسد أما الآن فقد أصبحت هى صفة من صفات «الفهلوة» و«الشطارة».. فى ظل انعدام توافر أجهزة رقابة كافية والحظر على حرية الرأى والتعبير والتقليص على منظمات المجتمع المدنى أو تدجينها وفى آخر المطاف نشر نفس المرض بين بعضها أو خلق منظمات صورية هى أكثر ملكية من الملوك والسلاطين!
***
وفيما يكرر الجميع ويستهوى استخدام تعبير أهمية الشفافية، انعدمت الشفافية فى الواقع حتى تحولت إلى مصطلح آخر ممجوج لدى بعض المدعين من برلمانيين وأعضاء مجلس شورى، فلا بد أن يتحدثوا مطولا عن الحاجة إلى الشفافية التى هم أكبر أعداء لها والتى لو توافرت لما وصل أى منهم إلى ذلك المقعد الوفير بالمرتبات العالية والسيارات الفاخرة وتذاكر السفر والرحلات تحت مسميات مختلفة وفى مجملها سياحية ترفيهية أو جزء من تركيبة نفس ذاك المرض أى الفساد الأشد خطرا وضررا على مجتمعاتنا وقيمنا الأخلاقية قبل أن يكون السوسة التى تنخر فى الاقتصاد وتحدث اقتصادا موازيا وبديلا وترفع من شأن طبقات جديدة محدثة على المجتمع فى معظمها كالطفيليات تنمو فى العتمة الرطبة والخانقة..
***
أصبح من العادى أن تبحث عن الممرات الخلفية فى سير الإجراءات الروتينية للمواطن وأول سؤال يطرح عليك «عندك واسطة» وهنا الواسطة ليست بمفهومها التقليدى الذى كان بسيطا بل ساذجا لكنها تحولت إلى أشكال من شبكات متراصة ومعنية بتسهيل الخدمات والعمليات الروتينية للمواطنين والتجار والصناعيين والمزارعين، إن وجدوا، مقابل مبلغ ما يتوزع على أعداد مختلفة تتدرج فى السلم الوظيفى.. فى قوائم الدول الأكثر فسادا فى العالم والتى تنشرها منظمة الشفافية الدولية تبدو دولنا تتخذ من مواقعها المتقدمة وبعضها الآخر لم يصل بعد ليس بسبب قلة انتشار المرض ولكن للقدرة على تغطيته بتعريفات ومسميات ونتيجة لعدم جرأة أحد على الحديث عنه ربما لانتشاره وربما أيضا لأن رأس الهرم أصبح جزءا منه ولم يعد هو حكرا على المسئولين الأصغر والأقل رتبا ومراتب!
***
وكلما أصدرت تلك المنظمة تقريرها كان الرد المتوقع من الدول العربية هو أن أرقامها غير دقيقة أو ناقصة كما حال دولنا فى معظم القضايا الأخرى. إن تحدثنا عن نسبة الفقر والفقراء قالوا أرقامكم خاطئة وإن قلنا إن هناك عنفا منتشرا ضد النساء قيل إن الصورة ليست بهذه القتامة وهكذا على كل المستويات فيما ترفض نفس هذه الحكومات أن تقوم بتوفير الأرقام الحقيقية وتحفظها وكأنها سر من أسرار الدولة الأمنية الكبرى فلا يجوز أن تنشر أو حتى أن تمنح للباحثين العلميين المهتمين فى رسم الصور الأكثر دقة لواقعنا بناء على الأرقام والتى دونها لا تقدم لنا مهما قمنا بتقديم تقاريرنا حول الأجندة 2030 والتنمية المستدامة المزعومة!
***
نكران المرض كما كان حال الحديث عن السرطان سابقا عندما يقال إنها مصابة «بذلك المرض الخبيث» وكأن القول بأنه السرطان قد يزيد من ألم المريض ومحبيه وكأن وقعه يختلف عند الاعتراف به.. بعض من ذاك الذى ترسخ عن ثقافة تبدو بحاجة شديدة لإعادة النظر والتحول مطلوب فأول الأدوية لأى مرض هو الاعتراف به وبوجوده.. المضحك فى هذا الأمر أن يردد الفاسدون أننا بحاجة لمحاربة الفساد وأن يقف الوزير والنائبة المرتشية ليرددوا أن هناك معركة علينا أن نفتحها فى محاولة منهم لاستغفال العقول والضحك على المواطنين البسطاء..
***
قبل أن تفتح معركة محاربة الفساد ستبقى المناصب تمنح حسب الولاءات والعطاءات أيضا وتطوير المناطق وكل العمليات الأخرى كلها تبقى بعيدة عن التنمية الحقيقية لمجتمعات أكثر صحة وأكثر قدرة على المحاسبة.. فالفساد ليس مرضا خاصا بدول عالم ثالثية أو نامية ولكنه حتما بحاجة إلى أدوات لتراقبه وتفضحه وإلا نهش فى حاضر الدول والمجتمعات ومستقبلها وثقافتها التى تحولت من نبذ الفاسد للتطبيل لنهجه والوقوف له صباحا ومساء!