ملف الصحة النفسية: منسيون خلف الأسوار
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
السبت 5 سبتمبر 2015 - 9:15 ص
بتوقيت القاهرة
حينما داهمتنا ضربة الشمس فى الأسابيع الماضية حصدت أرواح تجاوزت المائة. تشير التقارير الصحية فى ظروف مماثلة إلى أن كبار السن والأطفال والمرضى بأمراض مزمنة مثل السكر وارتفاع الضغط هم ضحايا الاحتباس الحرارى وضربة الشمس. الأمر الذى استوقفنى أننا انفردنا بظاهرة محيرة قاتمة الأثر: وفاة عشرة من مرضى مستشفى الأمراض العقلية والنفسية!
من المقبول علميا أن يتغلب الموت على حياة إنسان قليل الحيلة ضعيف المناعة أما أن يفترس عشرة من أصحاء الجسد مرضى العقل وراء أسوار المستشفى فى واقعة واحدة فهذا بالفعل ما يستحق أن نبحث له عن سبب وأن نجد له تفسيرا.
كعادة الإعلام المصرى وجد فى الأمر ضالته فانبرت الأقلام ولمعت الفلاشات وانهمر سيل الأحاديث والتعليقات وتوالت ساعات الكلام فى إسهاب. الحديث عن الإهمال والتقصير والتسيب والقسوة المتعمدة والعلاجات المدمرة وغياب الطب والأطباء وسلطة الممرضين.
عالم من الوحشية استعاد لذهنى صورا قاتمة لعزل مرضى الجذام فى الجزر البعيدة وقتل مرضى العقل بزعم أن الشيطان يتلبس أجسادهم ويسيطر على عقولهم. حتى القلة النادرة من الإعلاميين الذين حاولوا تبييض وجه الطب النفسى من الجهة الأخرى بدا جهدهم باهتا. كان من الواضح أنهم لم يؤدوا واجبهم فى البحث والاستقصاء وقراءة ما بين السطور والاعتماد على العلم فى عرض الوقائع. أنا لا ألومهم وأقدر جهدهم وإن جاء محدودا لكنى تمنيت لو جاء ذلك بمساعدة أطباء النفس والعقل فعرض القضية بلا شك يضمن الحكم فيها لمصلحة المريض والمجتمع فى آن واحد.
من بين تلك البرامج التى ابتعدت عن التركيز على الصور الصادمة والوقائع التى تنسحب من الروح كفرع شوك يدميها جاء أحدهم ليترك فى نفسى أثرا بليغا يستدعينى للعمل والمحاولة ولو كان الأمر بعيدا عن مجال تخصصى المهنى إلا أنه يحتل موقعا مهما فى وجدانى.
الصورة لشاب لم يتجاوز الثلاثين: مدمن سابق يقسم أنه واظب على العلاج وأنه شفى وأنه يرغب فى عودته إلى حجرته بين أهله وأسرته الذين يرفضون استلامه ولا يواظبون على زيارته وراء الأسوار! ياالله كم بدت كلماته صادقة موجعة مبللة بدموع حرص ألا يدعها تتساقط على وجهه وإن نطقت بها ملامحه.
عزيزى القارئ فلنبدأ من حيث انتهى الآخرون. دعونا ندق على باب تلك الأسوار التى يعيش خلفها أبناء من عائلتنا الكبيرة منسيون تدفعنا بقوة رغبة فى أداء الواجب نحوهم وبناء جسر قوى بينهم وبين المجتمع يتخطى الأسوار والقضبان.