زرنيخ الإعلام وثورة المعلومات
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
السبت 5 أكتوبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
تلقيت رسالة بالبريد الالكترونى من قارئ كريم لصفحة «صحة وتغذية» يرجونى أن أنشرها فى صورة تشير إلى أهميتها التى يراها قصوى. ما تحتويه الرسالة بالفعل من الممكن أن يصيب الإنسان بالذعر والارتباك.
الرسالة التى انتشرت على الفيس بوك Facebook لسيدة يغطى الدم ملامح وجهها بعد وفاتها بأقل من ساعة فى إيران حينما تناولت جرعة من فيتامين «ج» السائل بعد وجبة عشاء من الجمبرى كبير الحجم Prawns. أذاع البوليس الإيرانى نتائج تقرير الطب الشرعى الذى أفاد بأنها ماتت نتيجة للتسمم بالزرنيخ الذى تسبب فى فشل مفاجئ لأعضائها الحيوية ونزيف حاد من الأنف والأذنين والجلد، الأمر الذى تسبب فى هبوط حاد فى الدورة الدموية أودى بحياتها. تعلق الرسالة على السبب الحقيقى لوفاتها بأنه نتيجة لتفاعل كيماوى بين الزرنيخ الموجود بصورة طبيعية فى الجمبرى وفيتامين «ج» الذى زاد من قدرة الزرنيخ السامة بصورة هائلة قتلت السيدة فى الحال!!
يرجو صاحب رسالة البريد الالكترونى الأصلية كل من تقع عينه عليها أن يشارك فيها كل أصدقائه ومعارفه ليحذروا هذا التفاعل المميت فلا يأكلوا أبدا الجمبرى مقترنا بفتامين «ج».
أفزعنى الأمر لأننى لم أتفهمه جيدا رغم خطورته. أعلم أن هناك الكثير من طعام الإنسان يحتوى على الزرنيخ ومعادن أخرى فى صورة آثار ضئيلة: أسماك مثل التونة وسمك السيف وفواكه البحر ومنها الجمبرى، أيضا لحم الدواجن ومنتجات الصويا تحتوى مقادير ضئيلة للغاية من الزرنيخ فى صورة عضوية لا تؤذى الإنسان تختلف عنها فى صورتها الكيميائية التى بالفعل تؤذيه. أيضا إضافة عصير الليمون بما يحتويه من فيتامين «ج» أمر أساسى لإعداد الأسماك فى مختلف مدارس الطهى فلماذا لم يحدث ذلك من قبل فى أى حالة أخرى وأى بلد آخر؟
قضيت نهارا كاملا أسحب خيط المعرفة الذى التقطت بدايته حينما بدأت البحث عن أصل الحادثة واسم السيدة الضحية Neda Agha Slotan. الصورة كانت لضحية مظاهرات يونيو 2009 فى طهران التى لقيت حتفها أثناء احتجاجها على الانتخابات الرئاسية برصاص فى رأسها فلا زرنيخ ولا جمبرى ولا اتهام يوجه إلى أثر فيتامين «ج» المدمر. الصورة بالفعل على الفيس بوك والتحذير الذى يجب أن أوجهه إلى أصدقائى وأحبائى هو تحذير من «زرنيخ الإعلام» الخطر الأول على «ثورة المعلومات» التى انتشى لها العالم ورحب بها حينما أحالت الكرة الأرضية لقرية صغيرة لا يستغرق الخبر فيها دقائق معدودة حتى ينتشر من أقصاها إلى أدناها.
تأملوا جيدا تفاصيل الصورة وانزعوا عن الأخبار ذلك القدر من الأغراض الملوثة لتبقى الحقيقة عارية، ففى ذلك تمام احترامها. انتبهوا جيدا لـ«زرنيخ الإعلام» قبل أن تكونوا شهودا على اغتيال «ثورة المعلومات» وميلاد «نكسة الفوتوشوب»!