بين التشاؤم والواقعية
سلام الكواكبي
آخر تحديث:
السبت 5 أكتوبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
توقع بعض ممن يوسمون ظلما بالتشاؤم، أن يفضى مخاض الكائن الهلامى، المسمى بالمجتمع الدولى، حول سوريا إلى ولادة فأر. وقد تم ذلك فعلا وعلى شكل قرار يتعلق بالسلاح الكيميائى، يرضى الإسرائيليين أساسا، خطه الروس وقبل به الغربيون الذين رسخوا فشلا دبلوماسيا وإنسانيا فى إيجاد بصيص أمل للسوريين منذ سنتين ونصف.
«المتشائمون» إذا، لم يكتفوا بالسلبية المشككة، وإنما حاولوا تقديم البدائل للخروج من الطريق المسدود. وحاولوا التنبيه إلى ضرورة القيام بوضع سياسات بديلة واضحة تستعرض سيناريوهات متعددة. فقابلهم البعض بالاستخفاف لتضخم «الاكتفاء» الذاتى فى فهم السياسات.
فى هذا الإطار، جرى التنبيه مثلا فى بدايات تحول الثورة من سلمية بحتة إلى مسلحة جزئيا، بأن الحاجة ملحة لتأطير سياسى للعمل العسكرى حتى يكون للسياسة دورها الأول فى تنظيمه وفى منع تجاوزاته، فاهتزت الرءوس استهزاء بالمقولة وبالقائل، مع إصرار هذه الرءوس على التمسك بالسلمية بعيدا عن رؤية الواقع. وفى مرحلة لاحقة، قامت الرءوس بنسيان دورها الناظم، لتتقمص دور القائد الميدانى، فلم تفلح فيه وفقدت البعد السياسى.
●●●
وفى السياسة الدولية، أصر جهابذة معارضون على علمهم بالغيب الأمريكى والأوروبى، وبأن الرئيس أو الأمير أو المسئول «قال لهم...» أو أن الرفيق جون كيرى «أكد لهم...» أو أن الوزير الفلانى أيقظهم من قيلولتهم لينقل لهم أخبارا موثقة عن تقدم الأمور لصالح قضيتهم. فبالإضافة إلى جعل المبتغى حقيقة، فهم يشيرون إلى قربهم المتخيل من صانعى القرار الدولى، وهنا تكمن عقدة النقص. وعندما تشكك فيما نُقل لهم، أو تضع النسبية فى الاعتبار لتخفف من القطعية، فمن الطبيعى أن ينبرى لك أحدهم مستغربا «سذاجتك» بمعرفة خبايا السياسة الدولية، إضافة إلى ضعف علاقاتك على هذا المستوى، فلا من يوقظك إلا منبهك العتيق، ولا رسائل تصلك من هذا الوزير أو ذاك المسئول. فتحنى رقبتك كالجرو المعاقب وترجع على اعقابك.
من الممكن أن يقوم وزير خارجية أمريكا، الدولة التى تمر فى عهد يتميز بضعف أو انعدام القرار الخارجى، بتمرير الرسائل. ومن المحتمل بأنه أغدق بالوعود الوهمية والتى تنمّ عن استهزاء تكوينى بمآلات حيوات البشر السوريين. ولكن الأكيد هو أنه أومأ للروس بفكرة السيطرة على الكيميائى السورى، ليس فى السر أو فى الكواليس، بل جهارا فى مؤتمره الصحفى الشهير. فلماذا يقع بعض جهابذة القرار المعارض السورى فى الفخ ذاته مرارا؟ ولماذا يعتقدون بأن السيد كيرى، أو نظراءه من مصادر معلوماتهم الأكيدة، لا ينام قبل تلاوة أبيات شعر نزار قبانى حول محبته لدمشق وياسمينها أو أنه يستيقظ مستمتعا بصوت فيروز تغنى لقاسيون وبردى؟
●●●
ليس من المطلوب دراسة العلاقات الدولية أو فنون التفاوض أو تاريخ الدول والثورات. فمن المقبول أن يكون متصدرو المشهد المعارض منهمكين فى أمور جسام تأخذ من وقتهم جلّه وتجعلهم فى حيّز رد الفعل وليس الفعل أو التأسيس للفعل. إضافة إلى أن البعض منهم مشغول برمى الحجارة باتجاه البعض الآخر فى مجمع من البيوت الزجاجية التى لا ينفك ساكنوه عن التمرن فى نسج الروايات والتناقض بحثا عن البروز.
ومن الطبيعى أن يبتعد السياسى عن التفكير المتعمق وعن التخطيط الشامل وعن وضع التصورات والسيناريوهات. فأنجيلا ميركل مثلا، كما غيرها ممن نجحوا نسبيا فى القيادة، تعتمد على فريق من المستشارين المتخصصين علميا فى رسم السياسات وفى تحليل المواقف. فهل هى ضعيفة المعرفة؟ إن من يدّعى الإلمام بكل شاردة وواردة، بنفس منهجية شيخ الحى، والذى يتصور بأنه نابغة عصره فى السياسة وفى طبخ الملوخية، هو الضعيف تكوينيا.
●●●
الحديث لا يُعمّم، فلقد تنبه، ولله الحمد، معارضون سوريون منذ البدء إلى تعقيدات المشهد الإقليمى والدولى وتقاطع أو تنافر المصالح، ودعوا إلى صياغة العلاقات مع الدول بناء على المصلحة الوطنية دون الذاتية، ومن دون الوقوع فى قوالب مقيدة. وعملوا على خلق التوازن فى العلاقات مع القوى المختلفة المؤثرة فى المشهد السورى دونما رمى مجمل الأوراق فى يدٍ واحدة.
فى ظل المقتلة السورية المستمرة بالكيميائى أو بالفيزيائى، التواضع والإصغاء والتضامن والتوازن يمكن لها أن تنقذ أرواحا. والقراءة الواعية للتوازنات الدولية وللمصالح الوطنية بعيدا عن لغة الشعارات الطنانة تنقذ على الأقل من فتك السلاح النفسى لذوى القربى، وهو شديد المرارة.
نائب مدير مبادرة الإصلاح العربى