أسئلة ضرورية حول أزمة كوريا الشمالية
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الخميس 5 أكتوبر 2017 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
ليس من المعقول أن تخرج جميع أخبار الأزمة الحالية بين القاهرة وواشنطن على خلفية ما يتردد عن التعاون العسكرى بين مصر وكوريا الشمالية من خارج مصر. وليس من المعقول أن يعرف الشعب المصرى أن هناك أزمة تدور رحاها منذ شهور ولا يعلم عنها إلا من خلال بيانات رسمية تخرج عن البيت الأبيض أو من خلال تسريبات صحفية لوسائل إعلام أمريكية، أو تقارير من أهم وكالات الأنباء العالمية. وليس من المعقول أيضا أن يقتصر رد الفعل الرسمى المصرى على التعليق على ما يُنشر فى الخارج ويتم الإجابة فيه بالنفى والتأكيد على أن الحكومة المصرية تتعامل مع هذه الملفات بشفافية يشهد لها الجميع!
ما تشهده أزمة علاقات مصر المستمرة بكوريا الشمالية من ردود أفعال أمريكية لم ينته بعد! ولا يعد الصمت المصرى الرسمى تجاه هذه الأزمة وتطوراتها وتداعياتها أمرا جيدا. كل تفاصيل الأزمة حتى يومنا هذا اطلعنا عليها من مصادر وجهات غير مصرية. البداية كانت فى يوليو الماضى عندما كتبت هنا على صفحات الشروق أن هناك أزمة ما بين واشنطن والقاهرة بسبب كوريا الشمالية، وذلك على إثر المكالمة الهاتفية بين ترامب والسيسى والتى جرت يوم الخامس من يوليو من داخل الطائرة الرئاسية الأمريكية، حيث كان ترامب فى طريقه للمشاركة فى قمة دول العشرين بألمانيا. البيان الرسمى الصادر من البيت الأبيض حول المكالمة أشار لموضوعين اثنين تم الحديث حولهما: الأول يتعلق بالأزمة الخليجية، وهو الجزء الذى تحدث عنه الإعلام المصرى والمتحدث باسم الرئاسة المصرية، فى حين أطبق الصمت على الجميع تجاه القضية الثانية التى تحدث حولها ترامب مع السيسى وتتعلق بكوريا الشمالية. ذكر بيان البيت الأبيض أن ترامب ناقش التهديد النووى الذى تشكله كوريا الشمالية مع الرئيس السيسى. وطالب ترامب «بعمل جميع دول العالم على تنفيذ قرارات المقاطعة المفروضة من مجلس الأمن الدولى ووقف استضافة عاملين من كوريا الشمالية أو إمدادها بحوافز اقتصادية أو عسكرية».
•••
علمنا الشهر الماضى من وكالة أنباء يونهاب التابعة لكوريا الجنوبية أثناء زيارة مسئول مصرى كبير للعاصمة سوول أن القاهرة قطعت كل علاقاتها العسكرية مع كوريا الشمالية. ونقلت وزارة الدفاع الكورية عن المسئول المصرى قوله «إن القاهرة ستتعامل بشكل وثيق مع سوول ضد تصرفات كوريا الشمالية، التى تهدد سلم واستقرار المجتمع الدولى».
وتكرر الأمر نفسه الشهر الماضى خلال زيارة السيسى لنيويورك ولقائه الرئيس ترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ ذكر بيان رسمى مصرى عبارات على شاكلة أن «الرئيس الأمريكى أعرب عن تقديره للرئيس، مشيدا بالعلاقات المتميزة بين البلدين، ومؤكدا حرص الولايات المتحدة على تطويرها بهدف تحقيق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين. وأهمية العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين وأهمية الدور المصرى فى تعزيز السلام والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط».
وما لم يتضمنه البيان الرسمى المصرى تضمنه بيان البيت الأبيض الذى صدر عقب اللقاء وأشار لمناقشة الرئيسين موضوع كوريا الشمالية.
ويبدو أنه من ضمن ما لا تعرف الجهات الحكومية المصرية التعامل معه هو مفهوم «إدارة الأزمات»، أو أنه يتم التعامل معه بمنطق ستينيات القرن الماضى. ولو نظرنا بحيادية تجاه أزمات تعرضت لها مصر، ورأينا كيف تم إدارتها لأدركنا حجم المأساة فى عدم معرفة أو تجاهل أجهزة حكومية مختلفة أساسيات التعامل مع أزمات (قد لا يدركون أنها أزمات فى بعض الحالات).
وفى عالم اليوم المتصل والمتواصل تكنولوجيا ومعرفيا، فشلت الحكومة المصرية التعامل إعلاميا وخاصة ما يتعلق بالحديث للرأى العام العالمى فى حالات متكررة منها حالة مقتل سياح من المكسيك فى الصحراء الشرقية، وحالة سقوط الطائرة الروسية فى صحراء سيناء أو حالة مقتل الطالب الإيطالى جوليو روجينى فى القاهرة، أو حالة سحب مصر طلب مشروع قرار إدانة عمليات الاستيطان الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة بعدما قدمته رسميا قبل نهاية ديسمبر الماضى!.
وعلى الرغم من وجود مناصب وأشخاص يعملون كمتحدثين رسميين فى العديد من الجهات الرسمية، إلا أن دورهم للأسف يقتصر على العمل بنموذج يعود لستينيات القرن الماضى. إعادة التصريح بما ذكره الرئيس أو الوزير لا يعد من مهام عمل المتحدث الرسمى، بث صور لقاءات الرئيس أو الوزير لا يحتاج متحدثا رسميا رفيعا للقيام بذلك. وظيفة المتحدث الرسمى يجب أن تركز على التعامل مع الرأى العام ووسائل الإعلام، من خلال التعبير عن موقف ورأى الحكومة فى قضايا مهمة مثارة، وليس من مهامه الصمت تجاه القضايا الحساسة وترك الرأى العام ووسائل الاعلام تستقى الاخبار والتحليلات من مصادر خارجية.
•••
بالطبع لا تخرج للعلن كل تفاصيل أو أسرار إدارة ملفات السياسة الخارجية، إلا أن ما يجب أن يخرج للعلن لا يجب أن يكون من المصادر الأجنبية والبيانات الرسمية للدول الأخرى. يمكن من خلال وسائل الاعلام التأثير فى سياسات دول أخرى، ويمكن التعبير كذلك عن نيات واتجاهات سياسية محددة وإطلاق رسائل للمجتمع الدولى أو دول بعينها فى قضايا بعينها. ربما يكون لغياب المصداقية والاستقلال عن الإعلام المصرى (هناك استثناءات نادرة) دوره الكبير فى هذه النقطة، إلا أن الأهم هنا هو كيفية فهم واستيعاب صانعى القرار للمتغيرات من حولهم ولدور الإعلام المتزايد يوما بعد يوم. الموضوع الذى نشرته منذ أيام صحيفة واشنطن بوست من أن واشنطن اكتشفت دخول شحنة أسلحة من كوريا الشمالية وعليه تم الاعلان عن منع تحويل مبلغ 300 مليون دولار من المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر، تضمن رد فعل السفارة المصرية بواشنطن بيانا أشار إلى «التزام مصر بالشفافية والتعاون مع مسئولى الأمم المتحدة فى إيجاد الشحنة وتدميرها، مضيفا أن «مصر ستواصل الالتزام بقرارات مجلس الأمن جميع، وستعمل دوما بما يتوافق مع هذه القرارات التى تقيد عمليات الشراء العسكرية من كوريا الشمالية».
صدر البيان باللغة الإنجليزية ووجه بالأساس لواشنطن بوست، ولليوم لم يخرج بيان حكومى باللغة العربية يوجه للرأى العام المصرى يُجيب فيه عن أسئلة لا نعرف لها إجابات اليوم، لكن قد نعرفها لاحقا من مصادر غير مصرية.