لغز سعر الدقيق
أشرف البربرى
آخر تحديث:
الأربعاء 5 أكتوبر 2022 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
الحكومة تبذل جهودا كبيرة من أجل تخفيف أعباء المعيشة على المواطنين فى ظل الظروف الاقتصادية العصيبة التى يمر بها العالم. لكن يبدو أن هذه الجهود لا تحقق النتائج المنشودة فى ظل اتساع نطاق المعاناة من ارتفاع أسعار كل شىء تقريبا.
وخلال الأيام الأخيرة فرض ارتفاع أسعار الدقيق فى مصر ومن ورائه أسعار المخبوزات بكل أنواعها نفسه على قطاعات واسعة من المصريين، رغم تراجع الأسعار عالميا ليؤكد بوضوح شديد أن الارتفاعات الجنوبية لأسعار السلع الأساسية لدينا ليست نتيجة الظروف الخارجية والكوارث الطبيعية بدءا من الحرب الروسية فى أوكرانيا والحرب الأهلية فى اليمن وحتى جائحة كورونا.
فسعر القمح فى السوق العالمية بلغ أمس حوالى 9.5 دولار للبوشل الذى يعادل 25.4 كيلوجرام بما يعنى أن سعر الطن يبلغ 374 دولارا بما يعادل 7480 جنيها أى ما يعادل 7.48 جنيه لكل كيلوجرام بافتراض أن سعر صرف الدولار يعادل 20 جنيها وهو أعلى من السعر الرسمى المعلن. فى الوقت نفسه فإن أسعار الشحن البحرى من الموانئ الأوروبية التى يأتى منها أغلب القمح المصرى بنسبة 30% تقريبا وتراجعها من موانئ الصين بنسبة 80% بعد تجاوز تداعيات جائحة كورونا.
فى المقابل يبلغ سعر طن الدقيق المسلم للفرن الذى اشتريت منه عدة أرغفة من «الفينو» أول أمس 15 ألف جنيه على حد قول صاحب الفرن عندما أبديت اعتراضى على الانخفاض الشديد فى حجم الرغيف فقال لى حرفيا «النهاردة يا أستاذ طن الدقيق عمل 15 ألف جنيه». وفى السوبر ماركت تراوح سعر الدقيق بين 16 و19.9 جنيه بما يعادل ما بين 16 ألفا و19.9 ألف جنيه للطن.
فإذا كانت هذه الأسعار العالمية التى يكرر بعض المسئولون ورجال الأعمال الحديث عنها عندما يحاولون تبرير زيادة الأسعار فى السوق المحلية تقول إن سعر طن الدقيق بعد إضافة تكاليف الشحن والطحن لا يجب أن تزيد على 9 آلاف جنيه، فكيف تصل إلى 19 ألف جنيه؟
وما قيل عن القمح وفوضى أسعاره يمكن أن يقال عن الكثير من السلع التى تباع فى مصر بأسعار تزيد بشدة عن أسعارها بالخارج حيث الدخول الأعلى والجودة أفضل ومستويات المعيشة أحسن.
لا يوجد أى تفسير اقتصادى مقبول لهذه الظاهرة التى نعانى منها فى مصر منذ عصر الانفتاح إلا الاحتكار وسيطرة مجموعة محدودة من المستوردين على أسواق العديد من السلع الأساسية. وأذكر أن وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى قال تعليقا على افتتاح مركز كبار الممولين عام 2009 إن عددا قليلا من المستوردين يسددون نحو 80% من إجمالى حصيلة الضرائب فى مصر، وهو اعتراف رسمى بوجود احتكار لتجارة مصر الخارجية.
فى المقابل يتحدث التجار والمستوردون عن القيود الحكومية المفروضة على الاستيراد دون تمييز واضح بين السلع الحيوية والسلع التى يعتبرها البعض كماليات، مما يؤدى إلى زيادة الأعباء التى يتحملها المستوردون ويتم تمريرها ببساطة إلى المستهلك النهائى.
وصول سعر الدقيق فى السوق المحلية لأكثر من ضعف سعره فى السوق العالمية، أمر غير مقبول، صمت جهاز حماية المنافسة ومكافحة الاحتكار الذى يتحمل المواطن نفقاته ونفقات مسئوليه على هذه الأوضاع أمر غير مقبول أيضا. واستمرار معاناة المواطن من نتائج هذه الممارسات وهذا الصمت تجاوز حدود المرفوض وبات يهدد بمخاطر اجتماعية واقتصادية يصعب التنبؤ بها.
وأخيرا على الدولة والأجهزة المسئولة التحرك بجدية لوقف هذه الممارسات وحماية الشعب بكل فئاته من هذه الممارسات الاستغلالية التى فاقت الحدود.