خلف خطوط العدو

حسن المستكاوي
حسن المستكاوي

آخر تحديث: السبت 5 أكتوبر 2024 - 7:40 م بتوقيت القاهرة

** عند غروب شمس يوم السادس من أكتوبر انطلق النقيب أسامة المندوه فى مهمة كلف بها لمدة 9 أيام «خلف خطوط العدو». المهمة كان مراقبة وأستطلاع قوات العدو، واستمرت المهمة ستة أشهر باسم حركى «مجموعة لطفى». هكذا روى الفريق أسامه المندوه، أحد أبطال حرب أكتوبر قصته للزميل شريف عامر، وكان الحوار ممتعًا، فالرجل العسكرى الذى عاش الحروب، وأصبح وكيلًا للمخابرات ثم مارس السياسة دبلوماسيًا، فى القنصلية المصرية فى تل أبيب كان يتحدث بحب، وفخر، وصدق وهو يحكى تجربته فى المهمة التى كلف بها، وكيف تعاون معه الشيخ حسب الله من قبيلة الحيوات فى سيناء. وعندما سأله شريف عامر: «كل سنة فى السادس من أكتوبر تنتابك نفس المشاعر، أجاب الفريق أسامه نبيه: «كل سنة أستعيد ذكريات أيام النصر».
** الإجابة عبرت عن مشاعر جيلنا، فقد كنا صغارًا فى السن، وكبارًا فى مشاعرنا الوطنية. لقد تربينا على أن معركتنا مع إسرائيل، وحين وقعت نكسة 67 أصابتنا صدمة مذهلة ونحن فى سن الخامسة عشرة. انكسر حلمنا، لكن لم تنهزم إرادتنا، وحين أعلن الرئيس جمال عبدالناصر تنحيه فى خطابه الشهير، انفجرت مشاعرنا الوطنية وجرينا فى الشوارع نطالبه بالبقاء. كأنه تكليفه بمهمة إخراج مصر مما أصابها، ثقة فى أنه يستطيع أو تحميله المسئولية فيما جرى ضمنيًا. لن أنسى الألم، ولا الدموع التى جرت. لكن فى التاسع من يونيو أعلن المصريون أن إرادتهم لم تنهزم.
** بمعركة رأس العش بدأت حرب الاستنزاف، وهى حرب عظيمة للمصريين وللجيل الذى عاشها، من أبناء القوات المسلحة، ومن شباب مصر، ومن الآباء والأسر المصرية، وأقسم بالله أن هذا الجيل بكل أطيافه وفئاته وأعماره كان جيلا بطلا، جيلا جسورا وشجاعا، وجيلا وطنيا. ظل يحب بلاده وينتصر لها بمشاعره وبتضحياته وهى التى عانت من أقسى هزيمة فى عصرها الحديث. لعل من وقفة الشعب المصرى خلف الجيش فى هذا الوقت يعكس تعريفا دقيقا للوطنية، فى لحظة ما، فى أزمة ما، فى يوم ما، والوطنية هى حالة حب دائمة وانتماء دائم للوطن، للدولة، للتراب المصرى، بغض النظر عن أزماتها وسلبياتها. وممارسة النقد بعنف أحيانًا، والاختلاف فى الرأى والرؤية، فى أى مجال لا تعنى انتقاصًا من الوطنية أبدًا.
** «خلف خطوط العدو» كتاب صدر منذ سنوات للفريق أسامه المندوه، وقصته واحدة من مئات القصص التى تصلح عملًا دراميًا أو فيلمًا سينمائيًا، فالدراما، قوة ناعمة، ومن حق الجيل الذى ضحى بسنوات من عمره بالدم أو بالمعاناة، من حق هذا الجيل أن تسجل بطولاته للأجيال القادمة. وأذكر أن الشباب والحضور فى قاعات السينما، كان يصفق فى نهاية فيلم «الممر» بمشاعر وطنية عفوية وتلقائية. وحين سألت أولادى عن تكرار هذا السلوك فى الحفلات التى حضروها كانت الإجابة هى: نعم.
** اليوم هو السادس من أكتوبر، مضت السنون، وكل عام أتذكر وأسترجع التاريخ فى الفترة من الخامس من يونيو إلى السادس من أكتوبر. أتذكر كيف سرنا نحن مجموعة من الطلبة المصريين فى شوارع لندن أيامها، ونحن نهتف: تحيا مصر. فرحًا وفخرًا واحتفالًا بخبر عبور القوات المسلحة قناة السويس، فى معجزة عسكرية بشهادة الصحف الإنجليزية الصادرة مساء هذا اليوم (ليت الوثائقية تحصل عليها). يوم المجد والتحية لجيل لم تنهزم إرادته، يوم انكسر، وتحية لجيل يوم انتصرت إرادته، وصنع المجد لأجياله التالية.
** تحيا مصر كما كانت وكما هى وكما ستكون.. دائمًا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved