هامش للديمقراطية.. الدولة تعرف والمواطن لا يعرف

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأربعاء 6 نوفمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

نعود إلى البدايات: مفارقة مفجعة يرتبها غياب أو انهيار التنظيم الديمقراطى، مفارقة الدولة التى تعرف والمواطن الذى لا يعرف. للسيطرة على المجتمع وضبط المواطن (أذكر مجددا بأن هويته الفردية تنزع عنه ويعرف هو وأقرانه جميعا كجماهير أو حشود) ولكى تتطور وتحتفظ بالقدرة على القمع أو التهديد به، تنزع الدولة ومؤسساتها وأجهزتها فى الفاشيات والنظم الشمولية والسلطوية والنظم المسخ إلى معرفة كل وأدق التفاصيل عن المواطنات والمواطنين وتوظف لذلك أدواتها الأمنية والاستخباراتية.

يُراقب المواطن، تُراقب أنشطته الشخصية والأسرية والمهنية والاجتماعية والسياسية، تُراقب المكالمات والمراسلات الصادرة عنه أو الواردة إليه تنصتا وتجسسا وتلصصا، تُراقب آراؤه وأفكاره وقناعاته وطرائق التعبير عنها، ولو تملك الأدوات الأمنية والاستخباراتية الإمكانيات التقنية لمراقبة حوارات الذات وأحلام اليقظة وخيالات فترات النوم لفعلت. تتضخم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بانتظام للاضطلاع بمهمة معرفة تفاصيل حياتنا ومراقبتنا، وأيضا للاضطلاع بمهام أخرى كتقييد الحريات وتنفيذ الإجراءات القمعية وانتهاكات حقوق الإنسان وتشويه وتزييف الوعى العام.

تتضخم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وتهمش ومن ورائها المكون العسكرى ـ الأمنى المؤسسات والأجهزة «المدنية» داخل بنية الدولة وتتجاوز السلطة القضائية وتفرغ سيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات الدستورية والقانونية من المضمون. تتضخم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وتحتكر المعلومات وتسعى إلى تحويل المواطنات والمواطنين إلى حشود «شفافة» ومخترقة بالفعل أو يسهل اختراقها.

بالقطع، وباستدعاء سريع لفضائح تنصت وتجسس الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية وضربها عرض الحائط بسيادة القانون، لا تعدم النظم الديمقراطية تماما النزوع لمعرفة تفاصيل حياة مواطنيها وأحيانا تفاصيل دول ومجتمعات وراء حدودها. إلا أن السلطة القضائية المستقلة والرقابة المتبادلة بين السلطات والمجتمع المدنى النشيط وعدم استساغة الرأى العام لتغول الأجهزة الأمنية والاستخباراتية أو لعصفها بالحقوق والحريات تضع مجتمعة قيودا فعلية على اختراق الدولة للمواطنات وللمواطنين.

أما المواطن الذى يعرف عنه فى الفاشيات والنظم الشمولية والسلطوية والمسخ كل شىء فلا يعرف عن الدولة ومؤسساتها وأجهزتها شيئا، بل ويندر أن يعرف حقائق الأوضاع فى مجتمعه. تبدو الدولة كصندوق أسود (بأذنين كبريتين كتعبير عن تنصتها وتجسسها وتلصصها على المواطنات والمواطنين) لا شفافية حوله أو داخله ولا إمكانية فعلية للمواطن لمراقبته ومساءلته ومحاسبته فى ظل غياب الحقيقة وعدم توافر المعلومة.

تتوالى انتهاكات حقوق الإنسان والحريات، ويتراجع التوثيق وتتوارى لجان تقصى الحقائق. يسمع المواطن عن إجراءات استثنائية تخرج عما يألفه فى الواقع القمعى المعاش للفاشيات وللنظم غير الديمقراطية الأخرى (كحادثة فتيات الإسكندرية الأخيرة فى السياق المصرى)، ثم يجد الأمر وكأنه بات نسيا منسيا يتجاهله الإعلام والنقاش العام. يشعر المواطن بتغول الممارسات الأمنية والاستخباراتية، ويطالع إعلاما يقول له إن حماية الأمن القومى والمصلحة الوطنية تقتضى هذا. يدرك غياب الشفافية عن حقائق الأوضاع فى مجتمعه، ويستسلم تدريجيا للمعلومة المحتكرة ولتزييف الحقائق ولتشويه الوعى بل وقد يستسيغ مقولات المتورطين دوما فى التزييف والتشويه.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved