الأيادى المرتعشة
رباب المهدى
آخر تحديث:
الأربعاء 6 نوفمبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
هناك فرق شاسع بين الدولة «القوية» والدولة «الشرسة». تذكرت هذه الفروق التى استقرت فى العلوم السياسية وميزت الدول المتقدمة عن كثير من نظيراتها فى العالم العربى، مع ارتفاع خطاب «افرم يا سيسى» و«الأيادى المرتعشة» ذلك الخطاب الذى يدعم الاتجاه القمعى داخل الحكومة بقيادة جناحها الأمنى ويهاجم الاتجاه الأكثر ديمقراطية الذى يعمل على إيجاد صيغ سياسية لبناء دولة تستجيب لأحلام الحرية والعدالة الاجتماعية.
وهو خطاب ينسحب على كل أشكال المعارضة ويجرمها سواء كانت من بطل رياضى يرفع إشارة رابعة مثل محمد يوسف بطل الكونغ فو الذى تم ترحيله بعد أن فاز ببطولة عالمية أو إعلامى ساخر مثل باسم يوسف أو حتى نائب رئيس الوزراء زياد بهاء الدين حينما يجرؤ على الاعتراض على قانون التظاهر.
هذا الخطاب الإعلامى بدءا من محاولة تأليه الفريق عبدالفتاح السيسى وليس انتهاء باستخدام ما يسمى هيبة الدولة لتبرير أشكال القمع وانتهاك الكرامة الإنسانية هو انعكاس لرؤية سياسية واضحة فى قانون تجريم التظاهر ومشروع ما يسمى بقانون الإرهاب ومحاولة دعم الفريق السيسى للترشح للرئاسة على أساس أنه يستطيع أن يفرض القبضة الحديدية على المجتمع وليس لأى سابق خبرة له فى الحكم أو ما شابهه. والحقيقة أن هذه الرؤية السياسية فى خطابها وممارستها تخلط بين قوة الدولة ودولة القوة.
فالدولة الشرسة تحاول إخضاع المجتمع وتسعى لاستمداد شرعيتها من شعارات جوفاء مثل الإرادة الوطنية أو الرخاء الاقتصادى أو الاستقرار الأمنى. أما الدولة القوية فهى تعمل مع المجتمع شريكة له وتستمد شرعيتها من جودة الحكم ذاته ولهذا لا تسقط مع وجود أزمة اقتصادية أو سياسية لأن ما يدفع المجتمع للقبول بشريعتها ليس وعودا جوفاء أو شراء حق المشاركة السياسية أو الكرامة فى مقابل الاستقرار أو الطعام ولكن إيمانا من هذا المجتمع بقدرة هذه الدولة على تسيير الأمور بشكل عادل ونافذ يحترم إرادات وحقوق الأفراد والقطاعات المختلفة.
•••
المعضلة التى لا يدركها جل من يطالبون بدولة القوة تحت شعار «السيسى رئيسى» أو «افرم يا سيسى» أو ما شابه هى أن دولة القوة حتى وإن كانت قادرة على الاستمرار لفترات فى عصور سابقة (مثل الدولة الناصرية فى مصر والبعثية فى سوريا والعراق) فإن شروط بقائها التى توافرت لأنظمة سابقة لم تعد موجودة. فالأنظمة السابقة اعتمدت على وجود رؤية سياسية مستحدثة وملائمة لاحتياجات المجتمع فى ذلك العصر (حتى وإن اختلفنا معها)، ففى فورة حركة تحرر وطنى كانت الأنظمة البعثية والناصرية تمثل حلم الخلاص وصحب ذلك سياسات اقتصادية بلورت قاعدة شعبية لهذه الأنظمة.
أما النظام الذى يسعى البعض لتأسيسه فى مصر فهو يعتمد على استخدام القوة بدون وجود رؤية سياسية مصاحبة بشقيها الأيديولوجى والاقتصادى لأن العداء للإخوان ورفض حكمهم وحده لا يشكل رؤية سياسية. أما الشرط الثانى الذى لم يعد متوافرا لضمان استمرار وسيطرة دولة القوة فهو اللحظة التاريخية فمياه كثيرة جرت فى النهر حتى أنها غيرت مساره بالكلية. ففى حين كانت الأنظمة المشابهة فى الخمسينيات والستينيات تبنى دولتها فى لحظة نمو اقتصادى عالمى سهلت لها مهمة إنتاج وتوزيع الثروة، فإن أى نظام حالى عليه أن يواجه معضلة النمو وتوزيع الثروة فى ظل لحظة انكماش عالمية وسيطرة رءوس الأموال بشكل غير مسبوق وانتهاء زمن الحرب الباردة الذى كان يسمح بالاستفادة من صراع القوى بين القطبين لخلق استقرار اقتصادى ــ سياسى.
وفى حين كانت اللحظة السابقة لحظة بناء مؤسسات جديدة (حتى وإن كانت قمعية وسلطوية)، فإن اللحظة الحالية هى لحظة تعميد انهيار هذه المؤسسات بجدارة وبالتالى فإن محاولة استعادتها بشكلها السابق أو ترميمها كما يحدث الآن (مؤسسة الشرطة مثلا) ما هو إلا محاولة لإحياء كائن مات إكلينيكيا. أما المتغير الأخير الذى لا يدركه هؤلاء ولم يدركه من قبلهم مبارك أو الإخوان فهو أن وجود كتلة دعم شعبى هى عامل متغير وليست معطى ثابتا، فمن ظنوا أنهم يمتلكون الشارع أو صناديق الانتخابات وأن معارضيهم هم بعض الأصوات الضالة أو التافهة أعداء الدين أو الوطن لم ينتبهوا إلى أن توقعات الناس اختلفت ولم تعد فكرة إعطاء صك على بياض أو تفويض دائم ممكنة، بل على العكس فقدرة الناس على التحول ونفاv صبرهم بسرعة متزايدة أصبحت سمة مميزة لمجتمع ما بعد يناير ٢٠١١.
•••
ما نحتاجه الآن ليس القائد المستبد العادل ولا محاولات استعادة الدولة الأمنية ــ لأنها فاشلة لا محالة، ولكن الدولة القوية التى تؤسس على حقوق الأفراد والقطاعات لتكون منظمة لها وليست وصية عليها أو سالبة لها وتعتمد فى ذلك على بناء مؤسسات فاعلة فى المجالات الاقتصادية والقانونية والسياسية. أما دولة القوة فهى على العكس من ذلك تركز على بناء رؤية ومؤسسات أمنية قمعية وتعتمد على الردع والخوف أكثر من القبول والإنجاز ولذلك تبقى ضعيفة حتى وإن بدت شرسة فى تعاملها مع مواطنيها.
الأيادى المرتعشة ليست هى التى تتردد فى قتل أو قمع جزء من شعبها أو لا تقدر على إسكات معارضيها بل تلك التى تخاف من طالبة أو رياضى أو إعلامى لمجرد أن رأى أحدهم يخالف ما يحب النظام الحاكم أن يسمعه.