قيم البيزنس
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 5 نوفمبر 2019 - 10:15 م
بتوقيت القاهرة
أهل اليسار أدرى بشعاب الاستغلال الذى يتفشى فى أرجاء الرأسمالية. الأمثلة عديدة منها نقل الصناعات من الغرب الرأسمالى إلى دول فى أمريكا اللاتينية وآسيا بهدف عدم التقيد بقوانين العمل الصارمة، وغض الطرف عن بعض الانتهاكات التى تخص عمل المرأة، والاستفادة من انخفاض أجور العمالة. الحديث عن «الاستغلال» جزء من الخطاب المناهض للرأسمالية. بالطبع فيه بعض الصحة، لا يجادل فى ذلك بعض الرأسماليين أنفسهم، ولكن هذا لا يمنع أن هناك قيما يحرص عليها رأس المال خاصة كلما تشعب، واتسع، وتضخم، وصارت له هوية أقرب إلى هوية الدول، وربما تتفوق عليها فى عالم أصبحت «العولمة» فيه حقيقة أساسية بفعل انفتاح الأسواق، وانتقال البضائع، وثورة الاتصالات، الخ.
منذ أيام أقيل «إستيف أستربروك» المدير التنفيذى لسلسة مطاعم ماكدونالدز بعد أن اتهم بإقامة علاقة عاطفية «بالتراضى» ــ أى لا إجبار أو قسرا فيها ــ مع موظفة تعمل فى نفس الشركة، وهو ما يخالف سياسة العمل المتبعة. اعترف الرجل بخطئه فى رسالة للعاملين وذكر أن ما فعله مخالف لقيم الشركة الكبرى التى يعمل فيها، واعتبره «وقت للرحيل»، أما بيان مجلس إدارة ماكدونالدز فاعتبر أن السلوك الذى قام به يعبر عن «سوء تقدير». لم يشفع للرجل ــ بريطانى المولد ــ تاريخه فى هذه المؤسسة، أو غيرها من عالم البيزنس، فقد بدأ مديرا لسلسة مطاعم ماكدونالدز فى بريطانيا، ثم فى شمال أوروبا، قبل أن ينتقل فى عام 2011 للعمل مديرا تنفيذيا لسلسلة مطاعم أخرى فى مجال البيتزا، لها شهرتها عالميا أيضا، ويعود فى عام 2015 مديرا تنفيذيا لشركة ماكدونالدز على مستوى العالم، ويبدأ خطة تطوير شاملة.
قد يعتبر البعض أن هذه الحادثة أو غيرها مجرد ورقة التوت التى تستر عورة الرأسمالية المستغلة، وهذه تعبر عن قسوة فى الحكم، لأن القيم حاضرة فى المجتمعات الرأسمالية، وحرص شركة عالمية، لها علامتها وشعارها وعلمها الذى يفوق فى ثقله بعض الدول الصغيرة، على صيانة القيم المؤسسية، هو أمر محل تأمل واهتمام.
قيم العمل مسألة مهمة، ليس فقط فى دوائر الحكومة أو العمل العام، ولكن أيضا فى عالم البيزنس، الذى يزداد فيه تحكم رأس المال، والمزاج الشخصى، وإذا لم يحرص رأس المال على القيم لن ينمو، أو يتطور، أو يسهم فى تطور المجتمعات. وهنا نجد دائما المفارقة بين القانون والاخلاق، القانون ملزم، يحدد الصواب والخطأ، وينطوى على اجراءات عقابية. الناس تخاف من القانون، وتحترم نصوصه إذا كان مستيقظا، أما إذا غفت عيناه، فسوف يفعلون العكس، هذه هى المجتمعات التى لم تتقدم، فى حين أن المجتمعات المتقدمة تحترم القانون نائما أو مستيقظا، وتضع إلى جواره الاخلاق، ليس بوصفها اختيارا شخصيا، ولكن أيضا تعبيرا عن قوة انسانية هائلة، لها سطوتها وسلطتها، وكلما زاد احترام الناس للقيم الاخلاقية فى المجتمعات، كان ذلك علامة على تقدمها. قد لا تخالف القانون، ولكن المجتمع المتقدم يحاسبك على مخالفة الاخلاق.
نطوى قصة «ماكدونالدز»، ونتذكر كثيرا من ممارسات البيزنس فى مجتمعنا، ونتمنى أن يكون لديها قيم، تعلنها، وتحرص عليها، وتكتسب منها المصداقية، حتى نتقدم، ويصير للمال الخاص اسهامه فى بناء المجتمع.