جريمة عدلى منصور
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
السبت 5 ديسمبر 2015 - 11:05 م
بتوقيت القاهرة
قبل ثلاثة أيام فقط من تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيسا للجمهورية، وتحديدا فى الخامس من يونيو عام 2014، صدق المستشار عدلى منصور الرئيس المؤقت للبلاد حينها، على قانونى مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية، ضاربا عرض الحائط بدعوات الأحزاب والقوى السياسية التى طالبته بالتمهل، وإعطاء فرصة للحوار حول مواد القانونين.
تعجُل منصور فى التصديق على القانونين فتح الباب للغمز وللمز، خاصة أنه كان هناك شبه إجماع على أن النظام الانتخابى الذى اقره المستشار الجليل يفتح الباب لسيطرة رجال الأعمال على المجلس التشريعى، ويمنع تشكيل كتل سياسية تستطيع أن تشارك خلفه الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسى السلطة، بحسب ما نص دستور 2014، الذى حاز ثقة نحو 98% من المصريين.
قالوا حينها إن الرجل فتح الطريق أمام وزير دفاعه السابق وخليفته الذى كان يستعد لحلف اليمين الدستورية كرئيس للبلاد، لتظل كل السلطات فى يده، فالنظام الانتخابى الذى اختاره الرئيس السابق توسع فى النظام الفردى على حساب القائمة، وهو ما لا يسمح بوجود برلمان قوى يستطيع ممارسة حقه فى تشكيل حكومة، أو مراقبة أعمالها، أو حتى إصدار تشريعات لا تتوافق مع رغبة وسياسة الرئيس الجديد.
منصور كان قد اجتمع أكثر من مرة برؤساء الأحزاب فى قصر الاتحادية، لمناقشة قوانين الانتخاب، وفى أحد تلك الاجتماعات وزع الرئيس المؤقت على الحضور منشورا لأخذ رأيهم فى مواد القوانين، ورغم التوافق العام على أن تجرى الانتخابات بنظام القائمة النسبية، إلا أنه فاجأهم وأصدر القانون، ما أثار الشكوك حول نوايا الرجل الذى حان موعد نهاية حكمه.
غادر الرجل وترك خلفه تلك الجريمة السياسية، وحينما حانت الفرصة لتصحيحها فى مارس الماضى بعد حكم المحكمة الدستورية ببطلان عدد من مواد قوانين الانتخابات، رفض الرئيس السيسى الهدية، وأجرى تعديلات شكلية، وتمسك بفلسفة التشريع، متجاهلا كل الأصوات التى طالبت بتعديل النظام الانتخابى، بما يسمح بتمثيل كل القوى السياسية ليتحقق مبدأ المشاركة.
جرت الانتخابات كما أراد لها المشرع السابق «منصور» واللاحق «السيسى».. ورأينا بيع الذمم وشراء الأصوات يتم تحت عين وأذن الدولة، وعملية البيع تم توثيقها صوت وصورة، حتى تصبح برهانا على كل من يرفع قامته ليعارض أو ينتقد، أو يخرج عن النص المكتوب له.
انتهت العملية الانتخابية، بولادة برلمان مشوه مفضوح، وكلها أيام وستستقبل القاعة المستديرة، سيادة النائب الشتام، واللعان، والمخبر، ونائب الترامادول، وأبوفرخة، وأبوقرطاس، وأبوبطانية، وأبوكرتونة.. ألخ.
معظم الكُتاب والمحللين أجمعوا أننا سنكون أمام سيرك، ستتبارى أطرافه فى استعراض مهاراتهم، لتسلية المشاهد.. الزبون الأهم الذى سيسعى هؤلاء لإرضائه هو النظام الذى مهد لهم الطريق للوصول إلى قاعة العرض.
المفارقة أن نفس الكتاب والمحللين الذين وصفوا مجلس النواب بالسيرك هم من يدفعون فى اتجاه ترشيح المستشار الجليل رئيس المحكمة الدستورية لرئاسة البرلمان، مستندين إلى خبرة الرجل الإدارية والقانونية.. لكن كيف لهذا «الخلوق» كما يحبون أن يطلقوا عليه أن يدير هذا السيرك؟، «إيش هتعمل الماشطة فى الوش العكر؟»، هل تخيل هؤلاء كيف سيتعامل هذا «الجليل» مع نواب اعتادوا الاحتجاج بـ«الأصوات» وليس بالكلام.
اتركوا «الجليل» عدلى منصور، رئيس الجمهورية المؤقت السابق، ورئيس المحكمة الدستورية الحالى فى موقعه، عسى أن تأتيه فرصة يتمكن بها من تصحيح الجرم الذى ارتكبه فى حق هذا الوطن حاضره ومستقبله.. «اللى حضر العفريت يصرفه».