القوة لهنّ
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
آخر تحديث:
السبت 5 ديسمبر 2020 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مدونة الديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتبة غيدا طيارة، تتناول فيه غياب المرأة عن المشهد السياسى فى لبنان، وترى أن هناك ثلاثة أسباب تجعل مشاركة المرأة فى الحياة السياسية مهمة من أجل بناء دولة مزدهرة.. نعرض منه ما يلى.
تشهد البلاد سنةً هى الأسوأ فى تاريخها منذ تأسيس دولة لبنان الكبير فى العام 1920، وسط تخبّطها فى أزمات مالية واقتصادية واجتماعية وصحية متلاحقة. ويمكن القول إن لبنان لم ينعم أبدًا بالاستقرار طوال القرن الذى مضى على قيامه، بل تخلّلته حروبٌ واغتيالاتٌ واحتجاجاتٌ شعبية. لكن الثابت الوحيد كان ولا يزال غياب المشاركة النسائية الواسعة فى الحياة السياسية، بيد أن هذه المشاركة أساسية من أجل بناء دولة ناجحة ومزدهرة، وذلك لجملةٍ من الأسباب.
يُعزى السبب الأول إلى قدرة النساء على التعامل مع الأزمات بشكلٍ جيّد وفعّال. ففيما يرزح قادة العالم أجمع تحت وطأة وباء كوفيدــ19 وتبعاته، يبدو أن الدول التى تقودها نساء تجاوبت مع هذه الأزمة على نحو أفضل من الدول التى يحكمها رجال. فقد خلُصت إحدى الدراسات إلى أن القيادات النسائية كانت أكثر كفاءة بكثير فى محاربة فيروس كورونا. يُشار إلى أن هذه الدراسة استندت إلى عوامل عدة لتقييم استجابات الحكومات للوباء، وشدّدت على أن نوع الجنس يُعتبر على الأرجح سببًا أساسيًا فى نجاح الاستجابة، ذلك أن التعاطف والموقف من الخطر المُحدِق ليسا أقل أهمية من اتخاذ قرارات حاسمة وواضحة. وختمت الدراسة بأن القادة النساء تفوّقن على نظرائهن الذكور من حيث الاستجابة السريعة لوباء كورونا.
***
أما السبب الثانى فهو أن النساء أكثر مراعاةً لقضايا حقوق الإنسان بحكم نضالهن الطويل من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين. لذا، قد يعزّز تعيين النساء فى مناصب عامة التوجهات الحكومية حيال القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، ما يمهّد الطريق أمام بناء مجتمع أكثر مساواة.
تدرك النساء كذلك العراقيل الكبرى التى تعترض سبيلهن. فى الواقع، قبل أى حديث عن مشاركة نسائية فى الحياة السياسية، على اللبنانيين البحث عن السبل الآيلة إلى تحسين وضع النساء فى المجتمع ككل. ففى أوائل هذا الشهر، رفعت منظمة هيومن رايتس واتش تقريرًا إلى لجنة الأمم المتحدة المكلّفة بتقييم مدى امتثال لبنان لاتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة. وأكّد التقرير على أن البلاد لم تُحرز أى تقدّم فى تطبيق عدد من التوصيات التى تضمّنتها المراجعة السابقة فى العام 2015، ومن ضمنها وضع قانون موحّد وشامل للأحوال الشخصية يؤمّن المعاملة المتساوية لجميع المواطنين، وتعديل قانون الجنسية التمييزيّ للسماح للمرأة اللبنانية المتزوّجة من رجل غير لبنانى بمنح الجنسية لأولادها.
ونظرًا إلى أن اللبنانيين يخضعون إلى قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بطوائفهم، بدلًا من قانون وطنى موحّد للأحوال الشخصية يراعى المساواة بين جميع شرائح المجتمع اللبنانى، لا تملك الدولة صلاحيات تُذكر فى المسائل المتعلقة بالزواج وحقوق الملكية ورعاية الأطفال وغيرها. وتتحمل النساء الضرر الأكبر فى هذا الصدد، إذ يقعن يوميًا ضحايا العنف الأسرى والاعتداء الجنسى والتمييز وغيرها من أشكال المعاناة.
***
السبب الثالث الذى يدفع إلى تعزيز المشاركة النسائية فى الحياة السياسية اللبنانية هو الحدّ من التبعات المدمّرة الناجمة عن منع المرأة، وهى نصف المجتمع، من صياغة سياسات تؤثّر فى حياتها. فبعض الطوائف المحافظة جدًّا ترى أن دور المرأة يجب أن يقتصر على الأعمال المنزلية، وتعارض مزاولتها أى نشاط فى المجتمع. وقد ساهمت هذه الأفكار التى عفا عليها الزمن فى إدامة هذه القوانين الجائرة. لذا، قد يشكّل تعيين النساء فى مناصب حكومية قيادية خطوةً أولى على طريق إزالة الوصمة الاجتماعية التى تحيط بانخراط المرأة فى المجال السياسى. ومن خلال البدء بتسجيل سوابق فى هذا الإطار، سيبنى المجتمع واقعًا جديدًا، تصبح فيه مشاركة المرأة فى السياسة من البديهيات.
فى العام 2016، استحدثت الحكومة أول وزارة دولة لشئون المرأة فى لبنان، إنما عُيِّن على رأسها رجل، ما وجّه إهانة سافرة للنساء. لكن فى وقت لاحق، تولّت ريا الحسن وزارة الداخلية، لتصبح بذلك أول امرأة تشغل هذا المنصب فى منطقة الشرق الأوسط، وتعهّدت آنذاك بتسخير منصبها من أجل نُصرة حقوق المرأة.
لكن تعيين المرأة فى مناصب قيادية تُعنى بصنع القرار ليس كافيًا، إذ لا يُراد به أن يبقى مجرّد خطوة رمزية. بل لا بدّ أن نميّز بين ضمان حضور نسائى فى المعترك السياسى، وبين الحرص على تولّى نساء كفؤات وقادرات وتقدّميات زمام المسئولية العامة.
فالأحزاب السياسية فى لبنان هى غالبًا مصالح عائلية، والنساء اللواتى وصلن إلى السلطة ورثنَها فى الكثير من الحالات من آبائهن أو أزواجهن بعد وفاتهم. وهذه الحالات لا تُحدث أى تغيير حقيقى مع الوضع القائم، ولا تضمن وصول نساء كفؤات إلى مناصب قيادية. بل تسهم ببساطة فى ترسيخ هذه البنى التقليدية فى المجتمع، والتى بموجبها تنخرط المرأة فى الحياة السياسية للتعويض عن غياب الرجل ليس إلّا.
الأهم، لن يكون التغيير مستدامًا ومؤثرًا ما لم يتم إدخال تعديلات جذرية على القوانين وإزالة العقبات القانونية التى تعيق حصول المرأة على حقوقها. خير مثال على عبثية الوضع الذى نعيشه اليوم أن المرأة إذا وقعت ضحية العنف الأسرى يمكن أن تحصل على حكم لصالحها فى محكمة مدنية، لكن للمحكمة الدينية صلاحية إبطال هذا الحكم فى حال تعارض مع القانون الدينى. بعبارة أخرى، يمكن للسلطات الدينية نقض قوانين الدولة.
***
خلال ثورة أكتوبر 2019، طالب المتظاهرون اللبنانيون نساءً ورجالًا بترقية حقوق المرأة، عبر إجراء تعديلات على القوانين اللبنانية تضمن حماية المرأة وقيام دولة مدنية. فهم يدركون جيّدًا أن هذه الدولة هى الوحيدة القادرة على دفع عجلة التغيير الحقيقى، إذ تكفل سنّ قوانين تساوى بين جميع المواطنين بغض النظر عن جنسهم أو طائفتهم.
تتمثّل الخطوة الأولى على هذا المسار فى إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية يضمن المساواة فى المعاملة بين الرجل والمرأة، ويشكّل حجر الأساس الذى تُبنى عليه تحوّلات أكبر فى الحياة السياسية العامة. لذا، الآمال معقودةٌ على أن تهبّ رياح التغيير حاملةً معها بشائر تبدُّلٍ فى المشهد السياسى. فقد آن الأوان لكى نرى إنجازاتٍ تُصنَع على أيدى نساء لبنان اللواتى لا تنقصهنّ الموهبة أو الكفاءة من أجل النهوض بوطنهنّ فى هذه المرحلة العصيبة التى يمرّ بها.
النص الأصلى هنا