هواجس العام الجديد ــ أولنا بعيدًا عن السياسة
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 6 يناير 2012 - 2:05 م
بتوقيت القاهرة
أقف، وأنا أفكر اليوم فى التحديات التى نواجهها فى مصر بعد ثورة عظيمة أردنا بها الكرامة الإنسانية والحق والحرية والعدالة الاجتماعية ومازال مجتمعنا يبحث عن بدايات تحقيق هذه المطالب المشروعة، فى حيرة وخوف أمام الكثير من الممارسات القاسية ومشاهد العنف التى باتت تطغى على حياتنا العامة وأطالعها أيضا فى حياتى الشخصية. ولست بواثق من أننا نستطيع بناء مجتمع الكرامة الإنسانية ودولة الحق والحرية والعدالة مع كل هذه القسوة وذلك العنف المحيطين بنا.
قسوة وعنف فى التعامل مع المرأة التى تنتهك سلطات البلاد حقوقها بممارسات إجرامية كاختبارات عذرية وسحل فى الشوارع. وتنزع عنها تيارات متطرفة وجحافل دعاة تدين القشور إنسانيتها باختزالها إلى جسد يغرى ويفسد يتعين أولا إخفاؤه بعيدا عن الحياة العامة ثم تقبل استباحة كرامته وحرمته فى حياة خاصة جوهرها المخيلة والرابطة الذكورية التى تجعل من المرأة المختزلة لجسد ملكية للرجل.
قسوة بالغة فى تناول قضية إنسانية واجتماعية شائكة كأطفال الشوارع الذين ألصقت بهم صفات الإجرام والبلطجة والعنف تمهيدا لإصدار أحكام إعدام مجتمعية ضدهم باسم العدالة والقانون والنظام العام (لنضعهم جميعا فى أفران الغاز!). لم ينتبه الإعلام الرسمى وبعض الإعلام الخاص وتغطيته لأحداث مجلس الوزراء تعدم علنا أطفال الشوارع وتجعل منهم جماعيا خارجين على القانون يتعين استئصالهم، تماما كما صنع نفس الإعلام من سكان المناطق محدودة الدخل بلطجية فعليين أو محتملين، لحقيقة أن هؤلاء الأطفال هم نتاج اختلالات مجتمعنا الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وأنهم بالفعل ضحايا مجتمع يعيش نصف سكانه تحت خط الفقر وفى ظروف لا تحترم الكرامة الإنسانية.
قسوة مخيفة فى رفض الآخر الفكرى أو السياسى أو الدينى وتشويهه وتخوينه تمهيدا لنزع إنسانيته وممارسة العنف ضده. هناك تشويه منظم فى الإعلام الرسمى وبعض الخاص للمفكرين والكتاب المختلفين مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وللحركات الشبابية التى أسهمت فى تفجير ثورة ٢٥ يناير، ولمنظمات المجتمع المدنى المدافعة عن حقوق الإنسان، وللمطالبين بحقوق شهداء ومصابى الثورة، وللمدافعين عن الديمقراطية وتخوينهم جميعا بادعاء أنهم أعداء المصلحة الوطنية وعملاء الخارج. هناك تشويه منظم للتيارات المدنية وللكتاب المدافعين عن مشروع الدولة المدنية من قبل تيارات وقنوات تليفزيونية متطرفة لا مهنية ولا أخلاق ولا أدب حوار لها. هناك تشويه منظم وصناعة للنظرة السلبية الكارهة للمصريات المسيحيات والمصريين المسيحيين (إننا نبغضكم!) تروج لها ذات التيارات المتطرفة وتمهد بفعلها هذا فى حده الأدنى لتحويلهم لمواطنين من الدرجة الثانية تتفضل عليهم الأغلبية بمنحهم بعض الحقوق وفى حده الأقصى لنزع إنسانيتهم وتبرير ممارسة العنف ضدهم وضد دور عبادتهم.
قسوة وعنف لفظى فى رفض الاختيارات الشخصية والمواقف العلنية لكل من يتمرد على القوالب المجتمعية الجاهزة، يصلان فى بعض الأحيان إلى حد الاستبعاد من الملة ومن الجماعة الوطنية. تُتهم أم ويُتهم أب فى شرفهما وفى وطنيتهما لأنهما وقفا بجانب ابنتهما التى قررت اللجوء للقضاء بعد انتهاك حقها وامتهان كرامتها فى اختبار العذرية. تشوه صورة سياسى يدافع عن حق ابنته فى الارتباط والحياة مع من تحب وإن كان غير مصرى. أنتقد لدفاعى عن الحق فى حرية الحد الأقصى وممارستها دون مخالفة مبادئ الشرع أو عادات المجتمع، فمجرد الدفاع عن الحرية جريمة لا تغتفر لدى البعض. يطعن فى وطنية كل من عمل أو يعمل خارج مصر وكأن الانتماء للجماعة الوطنية يسقط بمجرد مغادرة الوطن ولا يستعاد بعد ذلك قط. يستهان بمثقفين وفنانين ينحازون للضمير الجماعى ويصرخون ضد الظلم والقهر وتغييب الحقوق بلغة واضحة، وأحيانا صادمة.
كل هذه أعراض إنسانية مجتمع توارت، وإرهاصات خوف كاسح من الخروج على المألوف أو التمرد على القوالب الجاهزة ليس له إلا أن يكبل المجتمع ويحول دون تقدمه.