عقدة العقدة
عمرو خفاجى
آخر تحديث:
الأحد 6 يناير 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
أحيانا لا أفهم ماذا يريد الذين يتصرفون فى شئون البلاد هذه الأيام، ولا أفهم أيضا إلى أين يريدون المضى بنا وفى أى اتجاه؟ وإذا كان الانتقاد أو حتى الهجوم على المنافسين هى أمور نتفهمها فى العمل السياسى، وإن كانت مذمومة فى مثل تلك الظروف التى تمر بها البلاد الآن، فهى غير مفهومة أبدا إذا كان الانتقاد والهجمات على الاقتصاد، الذى يحتاج أصلا إلى مساندة كل يد وفكرة كل عقل ورأى كل خبير واستجابة كل مواطن؟
منذ أيام والتصريحات والتسريبات تتوالى علينا للبحث عن مخرج من مأزق ضرورة ترك فاروق العقدة لمنصب محافظ البنك المركزى وفقا للدستور الجديد، حيث تجاوز المدة القانونية لشغل المنصب (وهى فلسفة تشريعية كانت بالأساس تستهدف النائب العام السابق عبدالمجيد محمود الذى تمت الإطاحة به قبل إقرار الدستور عبر إعلان دستورى مفاجئ).
المهم أن العمل يجرى على قدم وساق للإبقاء على الدكتور العقدة فى منصبه، وهو الأمر الذى لم يعارضه أحد بل لاقى كل ترحيب فيما يشبه تواطؤا جماعيا من أجل تحقيق المصلحة العامة، على أساس أن الرجل يقود الجهاز المصرفى بكفاءة نادرة، قبل الثورة وبعدها، وبالمناسبة تقوم الآن جامعة هارفارد الشهيرة بتدريس ما فعله العقدة بعد الثورة كنموذج فريد لإدارة هذا النوع من الأزمات.
تمسك الحرية والعدالة بالعقدة كان واضحا منذ اللحظات الأولى التى أبدى فيها الرجل رغبته فى مغادرة منصبه، حتى عندما تورط الإعلام الرسمى «تليفزيون الدولة» فى إعلان خبر استقالته، سارعت الحكومة فى نفى الخبر على لسان متحدثها الرسمى عبر بيان عاجل، وبالمناسبة الحكومة لا علاقة لها بمنصب محافظ البنك المركزى، وإن كان هذا النفى أيضا يؤكد تمسك الحكومة برجل الجنيه القوى.
وحينما شمر العقدة عن ساعديه وجمع رجاله لخوض معركة جديدة للحفاظ على قيمة عملة البلاد فى مواجهة الدولار، وهى معركة نتمنى له النجاح فيها مثلما نجح فى كل معاركه السابقة، (لولا العقدة لما كان النظام المصرفى هو الكيان الوحيد الذى لم يهتز بعد الثورة، وأنه لو كانت الثورة قد اندلعت فى العام ٢٠٠٣ لانهارت أغلب البنوك العاملة فى مصر والعقدة ايضا هو من وعد يوم ٥ فبراير ٢٠١١ بالحفاظ على الجنيه وعلى البنوك والنظام المصرفى على الهواء عبر شاشة القناة الأولى فى التليفزيون المصرى.. ولم يخلف الوعد).
وحينما قرر الجميع نسيان الموقف القانونى لشغله هذا المنصب من أجل الصالح العام، خرج علينا الدكتور عبدالله شحاتة رئيس اللجنة الاقتصادية فى حزب الحرية والعدالة ليشكك فى الرجل وفى عمله واتهمه بالتقصير والتخاذل والتسبب فى الأزمة الاقتصادية التى تمر بها مصر الآن، معتبرا البنك تأخر كثيرا فى إجراءات لحماية العملة، «تصريحات منشورة فى صحف الخميس ٣ يناير»، والمدهش أن هذا التشكيك جاء بعد أن نشر البنك المركزى بيانا تفصيليا أوضح فيه لماذا انخفض الاحتياطى «من نحو ٣٥ مليار دولار فى بداية يناير ٢٠١١ إلى نحو ١٥ مليار دولار فى نهاية نوفمبر ٢٠١٢». والمثير للدهشة أكثر أن تصريحات شحاتة جاءت عقب اجتماع للهيئة البرلمانية للحزب، الأمر الذى يعكس موقف الحرية والعدالة من البنك ومحافظه.
العقدة طلب أن يغادر منصبه راضيا مرضيا، والقانون يسمح أيضا بذلك «على العكس تماما من موقف النائب العام السابق الذى احتاج جراحة دستورية»، فلماذا الالتفاف على كل ذلك بمثل هذه النوعية من التصريحات التى تضر ولا تفيد إلا من يريد أن يغسل يديه من مسئولية الأزمة الاقتصادية ومن مسئولية تدهور الجنيه إن جاز التعبير والصعود المخيف للدولار.
أعتقد أن الحزب الحاكم عليه أن يتحمل المسئولية بشجاعة، فهذا واجب من تصدى للحكم وليس هبة أو تكرما من تيار أو جماعة، ولا داعى مطلقا لأن نسمع من جديد عبارة «لا يمثل إلا نفسه».