ما بعد داعش فى الشرق الأوسط: المخاطر والتحديات
العالم يفكر
آخر تحديث:
السبت 6 يناير 2018 - 8:45 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مجلة «The Atlantic» الأمريكية مقالا للكاتب «جوشوا جليتزر» ــ المدير التنفيذى لمعهد الدفاع الدستورى والحماية فى جامعة جورج تاون، والمدير السابق للجنة مكافحة الإرهاب فى مجلس الأمن القومى ــ، والذى يتناول فيه سياسات الولايات المتحدة الأمريكية الغامضة إزاء القضايا الأساسية فى الشرق الأوسط، فضلا عن مواقفها غير الواضحة بشأن الأكراد والأوضاع فى سوريا والعراق بعد الانتصار على داعش، بالإضافة إلى موقفها من التدخل الإيرانى والروسى فى الشأن السورى.
فى البداية استهل الكاتب المقال بالحديث عن أنه مع نهاية عام 2017، بدا المزاج العام بين كبار القادة فى الحملة التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم «داعش» فى العراق وسوريا متفائلا على نحو مبرر ويبعث على الارتياح، وعلى كل حال فإن الإنجازات التى حققتها الحملة فى السنوات الثلاث الأولى متعددة ومنها:
القضاء على قادة داعش الأساسيين، وطرد الجماعة من ما يسمى «بالعواصم المزدوجة» فى الموصل والرقة، بالإضافة إلى تقليص ما يعرف بـ «الملاذات الإقليمية الآمنة» التى يستخدمها التنظيم فى التخطيط للهجمات التى يشنها. مع بعض المبررات التى تدور حول إعلان رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى النصر على داعش فى العراق فى ديسمبر الماضى.
ويرى الكاتب أنه من السذاجة أن نحتفل بالنصر مع بداية العام الجديد، وهذا ليس فقط لأن الخطوة الأخيرة فى هزيمة أى جماعة إرهابية قد تكون هى الأصعب على الإطلاق وتعلم الولايات المتحدة ذلك بشكل كبير، من جراء تجربتها مع بقايا تنظيم داعش السابق «القاعدة» فى العراق. بالإضافة إلى التحديات الإقليمية التى قمعتها الولايات المتحدة من خلال استخدام استراتيجيات غامضة بشكل كبير، هذه الضبابية المتعمدة فى صنع وصياغة السياسات والتى تسمح لمختلف الجماهير بفهم السياسة نفسها بشكل مختلف.
***
يذكر الكاتب أنه يوجد أربع استراتيجيات رئيسية غامضة مستمرة فى واشنطن، وترجع استدامتها بشكل جزئى إلى أنها أثبتت جدواها، بل ربما إلى أنها كانت ضرورية للحملة ضد داعش. بعضها قد جاء سابقا على الحملة والبعض الآخر انبثق منها، وكان هناك بالفعل ضحايا من جراء نجاح تلك السياسات. ولأن هذا الغموض أثبت عدم قدرته على الاستمرارية، فقد تضطر الولايات المتحدة إلى القيام بأشياء خطيرة جدا حينما يتعلق الأمر بسياسات الشرق الأوسط. ويكون من شأنها تخييب أمل البعض الذين اعتقدوا أنهم بإمكانهم الاعتماد على واشنطن والاستعداد للمواجهة مع الآخرين الذين حاولوا تأجيل الصراع.
لكى نكون واضحين: هذا الغموض المستمر لم يكن خطأ من جانب الولايات المتحدة. بل على العكس يعتقد الكاتب وبعض زملائه ممن عملوا فى مكافحة الإرهاب وفى القضايا الإقليمية المتعلقة بالشرق الأوسط فى إدارة أوباما أنه من الضرورى الحفاظ على هذا الغموض فى هذه المراحل الرئيسية حتى لو كنا لا نفكر بها دائما على أنها سياسات غامضة فى حد ذاتها فى ذلك الوقت. خاصة أن واشنطن تحالفت مع مجموعة شركاء ضعفاء فى حربها على داعش مع المشاركة بأعداد محدودة من القوات الأمريكية، لقد ساهم هذا الغموض فى نجاح الحملة، وعلاوة على ذلك فإن عدم القدرة على الحفاظ على هذا الغموض لا ينبغى أن ينظر إليه باعتباره دليلا على فشل إدارة ترامب التى حافظت على نشاطها فى الحرب على داعش فى سوريا والعراق. وإلى حد ما كان هذا الغموض مؤقتا بالضرورة، بيد أنه ينبغى لنا أن نشعر بالقلق من الدبلوماسية الحمقاء غير الكفء والترسيخ الأيديولوجى، اللذين سيكون لهما عواقب وخيمة.
أحد الاستراتيجيات الغامضة التى وضعت بعناية كانت تتعلق بمستقبل الأكراد العراقيين، لقد كانت واشنطن واضحة فى علاقتها الخاصة مع الأكراد كشركاء أساسيين فى الحرب على داعش. فى الوقت ذاته الذى أكدت فيه واشنطن مرارا وتكرارا التزامها بدولة عراقية موحدة كشرط مسبق لعلاقات سلسة مع بغداد الشريك الحاسم الآخر فى الحرب ضد داعش.
• التعامل مع تطلع الأكراد وسعيهم إلى الاستقلال الذى يضعهم على خلاف مع بغداد:
يوضح الكاتب أنه لسنوات طويلة كان الرفض الغامض والمتعمد هو نهج واشنطن المتبع فى التعامل مع هذه القضية. من ناحية تعهدت الولايات المتحدة بالسلامة الإقليمية لدولة عراقية موحدة، ومن ناحية أخرى ترتبط بصداقة خاصة مع الأكراد فى شمال البلاد. ومع ذلك كما بينت الشهور الماضية فإن المسألة لم تعد تسمح بالغموض أكثر من ذلك حيث تواصل بغداد احتلال حقول النفط الكردية فى أعقاب تصويت كردستانى من أجل الاستقلال ونجد أن سياسة واشنطن بالفعل تشير إلى أنها تميل نحو بغداد.
وهذا يشير إلى غموض ثان يتعلق بالأكراد، ولكن على الجانب الآخر من الحدود العراقية مع سوريا. هناك الأكراد السوريون والذين كان لهم دور مهم جدا لا غنى عنه فى تقليص الملاذات الآمنة التى كان يتمتع بها داعش والتى كانت تسمح لها بالتخطيط لهجمات إرهابية فى جميع أنحاء العالم. ولكن الأكراد السوريين أيضا لديهم طموحات على الأقل فى الوصول لدرجة معينة من الحكم الذاتى إن لم يكن الاستقلال التام ويسبب ذلك إخفاقات فى العواصم الإقليمية الرئيسية خاصة دمشق التى تسعى إلى إعادة تأكيد السيطرة على كل سوريا، وأنقرة التى لا تميز بين الأكراد السوريين، والأكراد الإرهابيين المسئولين عن سنوات من الهجمات الدموية داخل تركيا.
• الموقف الأمريكى من الأكراد السوريين ورغبتهم ــ على الأقل ــ فى حكم شبه ذاتى داخل الدولة السورية:
ظلت سياسة واشنطن غامضة بشأن هذه المسألة بما يضمن لها بقاء الأكراد السوريين شريكا حيويا فى الحرب ضد داعش وخاصة فى معاقله فى الرقة وغيرها، والحفاظ أيضا على تركيا كمستضيف لعمليات الحرب ضد داعش المنطلقة من قاعدة إنجرليك الجوية.
ولكن مع تطهير الرقة ودمشق بدعم موسكو الذى سيعزز سيطرتها على سوريا التى مزقتها الحرب ستضطر واشنطن قريبا إلى إيضاح موقفها من قضية دعم الأكراد السوريين. كما أن إيران وهى شريك رئيسى آخر فى دمشق.. تتصارع للعب دور فى سوريا بعد تطهيرها من داعش.
لم تكن وجهة نظر واشنطن بطبيعة الحال غامضة حول جوانب معينة فى سلوك طهران، مثل دعمها للجماعات الإرهابية مثل حزب الله ولكن عندما يتعلق الأمر بدور إيران فى الحرب ضد داعش فى سوريا، نجد هنا السياسة الغامضة الثالثة لواشنطن وهى: قبول أن عدو عدوى يمكن أن يكون مقبولا كصديقى فى بعض النواحى ولبعض الوقت. وأن ذلك الوقت سوف ينفد. وفى الوقت الذى تتصادم فيه القوات العسكرية المختلفة فى أماكن أكثر تشددا والتى هى الآن خالية من داعش فى سوريا. تقوم القوات الأمريكية بإسقاط الطائرات بدون طيار الإيرانية فى المجال الجوى السورى. كيفية التعامل مع إيران الآن فى سوريا هى نقطة أخرى تتسم بالغموض.
وأخيرا بالنسبة لمستقبل سوريا ودور بشار الأسد فيه، وكذلك دور راعيه فلاديمير بوتين. وبالنظر إلى التصريحات الصادرة عن واشنطن فى أوقات مختلفة، والتى تنص على ضرورة رحيل الأسد؛ فإن وصف نهج واشنطن فى هذه المسألة بالغموض قد يبدو غريبا، وبطبيعة الحال لم يتم تحقيق المطالبات برحيل بشار على الرغم من مجازره المتعددة.
• الدور الذى يجب أن تلعبه واشنطن إزاء المستقبل فى سوريا:
إصلاح هيكلى ودستورى جديد على الأقل فى الاسم، يجعل للأسد أى دور آخر غير الرئيس السورى حتى لو كان عمليا يحتفظ بدور الحاكم المهيمن.
حكم شبه ذاتى للأكراد، وأيا كان الأمر فمع تقلص الدور الذى تلعبه داعش فى الطريقة التى تفكر بها الولايات المتحدة فى الوضع فى سوريا، والقوات العسكرية الروسية التى تستفز القوات الأمريكية داخل حدود سوريا بشكل متزايد فإن نافذة الغموض هذه سوف تغلق بسرعة.
إن الدعوة التى وجهها وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» إلى الميلشيات المدعومة من إيران لمغادرة العراق تفاقم بوضوح النزاع الخطير بالفعل بين بغداد والأكراد العراقيين. وبالمثل فإن سوء معالجة القضايا الرئيسية فى العلاقات الأمريكية التركية يزيد من تفاقم مسألة مستقبل الأكراد السوريين ويثير احتمالات حدوث أزمة بين واشنطن وأنقرة.
وختاما يوضح الكاتب أن التخلى عن السياسات الغامضة هو بالفعل طريق صعب لأى إدارة، ومن المؤكد أن هناك أسبابا جعلت الولايات المتحدة لا تأخذ موقفا واضحا إزاء هذه المنافسات والصراعات المشحونة.
وسط كل هذه الفوضى داخل إدارة ترامب ناهيك عن حالة وزارة الخارجية الهشة، فإن خيار البحث عن حلول لكل هذه التحديات وإرساء الأسس لإقامة منطقة أكثر استقرارا يبدو أنه غير مطروح بالأساس. وقد يكون وضع نهاية لسياسات الغموض الاستراتيجى تجاه القضايا فى الشرق الأوسط أمر لا مفر منه، ولكن يتطلب ذلك دبلوماسية ماهرة لديها المهارة والقدرة على اتخاذ القرار.
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى