«التقسيم» على أبواب ليبيا
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 6 يناير 2020 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
أصبح خطر التقسيم يدق بعنف على أبواب ليبيا ليستهدف تمزيقها إلى 3 دول، واحدة فى الشرق «برقة» تتصارع عليها وتتحالف عدة دول على رأسها فرنسا وروسيا ثم بريطانيا التى تترقب تسارع الأحداث من وراء الستار، والثانية فى الغرب «طرابلس» تتنافس للفوز بها إيطاليا وتركيا، والثالثة فى الجنوب «فزان» التى أصبحت عرضة لخطط استعمارية قديمة تستهدف إعطاءها لقبائل الطوارق والعرقيات الإفريقية لتصبح واقعة تحت النفوذ الفرنسى!
ليبيا الآن تتقدم بخطوات متسارعة نحو هذا السيناريو الخطير، صراعات القوى الإقليمية والدولية على أراضيها ربما ستجعل خيار التقسيم مطروحا على أرض الواقع فى المستقبل القريب، باعتباره الحل الوحيد لتجنيب شعبها جحيم «الحرب الأهلية» وحقن دمائه فى مواجهات عسكرية بات نشوبها على بعد أمتار قليلة أو مجرد مسألة وقت، ما لم تحدث مفاجآت تتفق بمقتضاها كل الأطراف الفاعلة فى المشهد الليبى على إنجاح مؤتمر برلين المقرر عقده خلال الأسابيع المقبلة.
فى حين تبدو ألمانيا هى الدولة الوحيدة التى لا تريد تقسيما ولا حربا فى ليبيا لمواءمة البترول الليبى لمعامل تكريرها، فإن إسرائيل وأمريكا اللتين تتجنبان التدخل المباشر فى هذه الصراعات الدولية فى ليبيا، فيبدو أن سيناريو التقسيم يحقق لهما هدفا جديدا ومجانيا فى مشروع «صفقة القرن» الذى يستهدف تقسيم الشرق الأوسط كله إلى كيانات عرقية ومذهبية وجهوية.
روسيا وفرنسا اللتان تقفان خلف حفتر ليصبح «قذافى» جديدا، تنتظران منه دفع الثمن المناسب لهما باستغلال ثروات بلاده البترولية، سواء حكم ليبيا كلها أو إقليم برقة فقط الذى قد يصبح دولة مستقلة فى حالة تقسيمها، علاوة على صفقات السلاح التى ستبرمها معه بمليارت الدولارات، خاصة أن دخل ليبيا السنوى من البترول يتعدى الـ180 مليار دولار.
أما إيطاليا فهى تحن لعودة نفوذها الاستعمارى القديم فى ليبيا عبر بوابات طرابلس لتفوز بنصيبها فى كعكة البترول الليبى وحقول الغاز المبشرة على سواحلها، وتجارب شركة إينى فى اكتشاف حقول الغاز أمام سواحل مصر فى البحر المتوسط، فتحت شهيتها لاكتشاف المزيد منه فى ليبيا، ليعود على إيطاليا بأرباح فلكية.
أما تركيا بكل الضجيج الذى يثيره تدخلها العسكرى لمساندة حكومة فايز السراج، فهى ليست سوى لاعب صغير فى هذا المشهد الليبى المعقد، كل ما تطمح إليه هو حصول على نصيب فى صراع الذئاب المحتدم حول كعكة البترول والغاز الليبى، بل إن رفضها استكمال التعاون الإسرائيلى اليونانى القبرصى لإنشاء خط مشترك لنقل الغاز لأوروبا يفيد مصر التى تخطط لتصبح مركزا إقليميا لتسييل الغاز وتصديره لأوروبا، إضافة إلى تحقيق أهداف ثانوية أخرى يأتى على رأسها تأكيد زعامة تركيا للعالم الإسلامى من جهة، وتأكيد حضورها الأوروبى من جهة أخرى، وأنها ليست بعيدة عن تصورات الغرب حول ليبيا ومصالحه فيها، وأنها تلعب دورا مهما فى الصراعات الدائرة على أراضيها.
تصوير ما يحدث فى ليبيا على أنه مجرد حلقة من المكايدات التركية ضد مصر على خلفية تأييدها للإخوان المسلمين، يرسم صورة مشوهة لطبيعة الصراع هناك وتوجهات لاعبيه وأهدافهم الحقيقية، فحتى الآن لن تسمح موازين القوى العالمية فى ليبيا أن ينتصر حفتر على حكومة السراج.
المصلحة العربية الحقيقية تتطلب بذل كل الجهود لتحقيق الوفاق بين الأطراف الليبية المتصارعة وليس الانتصار لطرف على آخر، حفاظا على وحدة ليبيا وغلق الأبواب أمام أى تدخلات خارجية جربنا ويلاتها فى سوريا والعراق!