جدار إسرائيل الجديد على حدودنا الدولية
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 6 فبراير 2010 - 10:11 ص
بتوقيت القاهرة
نشرت بعض الصحف يوم 24 يناير الماضى صورة لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، محاطا بأعوانه، وهو يطالع «خريطة للجدار الجديد خلال تفقده للحدود المصرية الإسرائيلية»، وفقا لما جاء بنص الخبر المصاحب للصورة. ترجع بداية قصة هذا الجدار الجديد إلى يوم 10 يناير عندما أعلن نتنياهو عن موافقة حكومته على إقامة حائط أمنى على طول الحدود الدولية بين مصر وإسرائيل، بتكلفة تصل إلى خمسين مليون دولار أمريكى. وأوضح مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى أن هذا الحائط الجديد سيشتمل على إقامة جدار مع تجهيزه بوسائل تكنولوجية مثل أجهزة الرادار والاستشعار وكاميرات للتصوير، وأن الغرض من إنشائه هو رصد أى حركة من قبل المتسللين والإرهابيين من غزة وسيناء، وكذلك العناصر الإجرامية أو الباحثين عن العمل الذين يسعون للتسلل إلى إسرائيل. وزاد أحد المواقع الإلكترونية والمسمى Debkafile إلى ذلك أن الجدار سيشكل سدا منيعا أمام عناصر حماس التى تجد طريقها إلى الضفة الغربية عبر سيناء وصحراء النقب.
للوهلة الأولى يبدو أن هذا الأمر لا يعنينا كثيرا على أساس أن ما ستقوم به إسرائيل إنما سيتم على جانبها من الحدود. إلا أن الأمر يكتنفه فى الواقع عدة محاذير:
أولا: لا أحسب أنه يمكن لمصر أن تركن كلية إلى توافر حسن النية التام لدى الجانب الإسرائيلى عندما يتعلق الأمر بموضوع حساس مثل حدودنا الدولية التى يجب أن تظل مصانة لا تمس. وحسبنا أن نتذكر أن إسرائيل نازعتنا حول مواقع أربع عشرة علامة حدود بطول الحدود الدولية وانتهاء بالعلامة 91 الخاصة بطابا. حدث ذلك عند قيام لجنة مشتركة مصرية إسرائيلية بتعليم علامات الحدود قبل أن يتم الانسحاب النهائى لإسرائيل يوم 25 أبريل 1982 من سيناء إلى خلف الحدود الدولية بناء على معاهدة السلام. وفقا للكتاب الأبيض الذى أصدرته وزارة الخارجية المصرية عام 1989 والخاص بقضية طابا «فإن الفارق بين المواقع الأصلية للعلامات والمواقع المدعى بها من جانب إسرائيل كان كبيرا إلى الحد الذى يشكل معه مساحة تتجاوز ثمانية كيلومترات مربعة». وبالنظر إلى أن المباحثات بين الجانبين لم تسفر عن التوصل إلى أى اتفاق فقد تقرر إحالة الأمر للتحكيم. وبعد ملحمة سيسجلها التاريخ بأحرف من نور، أصدرت محكمة التحكيم حكمها بتاريخ 29 سبتمبر 1988 فى أمر النزاع حول مواقع هذه العلامات، والذى قضى بأن علامة الحدود رقم 91 الخاصة بطابا وكذلك تسع علامات أخرى إنما تقع بالفعل فى المواقع التى حددتها مصر، ورفض الحكم الإدعاءات الإسرائيلية بغير ذلك. وأعتقد أنه فى ضوء هذه التجربة لابد أن يكون لمصر كلمتها بالنسبة لأية أعمال أو إنشاءات تقوم بها إسرائيل على حدودنا الدولية، والتأكد من عدم حدوث أية تجاوزات فى أى مرحلة من مراحل بناء هذا الجدار أو عند تزويده بمختلف معدات الرصد السابق الإشارة إليها.
ثانيا: واتصالا بالنقطة السابقة، من المهم الإشارة إلى أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والموقعة فى 26 مارس 1979، وبغية «توفير الحد الأقصى للأمن لكلا الطرفين على أساس من التبادل»، كما جاء بالمعاهدة، فقد نصت على إنشاء منطقة تحمل اسم المنطقة «د» داخل الأراضى الإسرائيلية على طول الحدود الدولية وبعمق يصل إلى ثلاثة كيلومترات، وتكون هذه المنطقة محدودة التسليح بحيث لا يوجد بها أكثر من أربع كتائب مشاة إسرائيلية، ويحظر أن تتضمن هذه القوة الإسرائيلية أية دبابات أو مدفعية أو صواريخ. جدير بالذكر أننى كنت قد أشرت فى مقال بجريدة «الشروق» يوم أول فبراير 2009 أى منذ عام مضى بالضبط إلى الانتهاكات الإسرائيلية لهذه الترتيبات بقصفها المتواصل لمنطقة الشريط الحدودى الذى يفصل بين مصر وغزة بمختلف أنواع الأسلحة والقنابل والصواريخ. فإذا كانت إسرائيل تعتزم الآن إقامة جدار داخل المنطقة «د» محدودة التسليح وتزويده بالأجهزة التى سبق أن أشرنا إليها فإن الأمر يقتضى منا أن نحرص على التزام إسرائيل بكل ما تقرر فى المعاهدة وبالترتيبات المتعلقة بهذه المنطقة.
لقد أسرفت إسرائيل كثيرا على نفسها ببنائها للأسوار وإقامتها للجدران فى كل اتجاه. فبعد الجدار العنصرى الفاصل الذى يتلوّى فى الضفة الغربية قاضما لأراضيها، والذى اعتبرته محكمة العدل الدولية انتهاكا خطيرا للقانون الدولى، تتحدث الآن عن وجود عسكرى إسرائيلى فى الضفة حتى بعد أن يتم إقامة الدولة الفلسطينية، وذلك من أجل منع التسلل وتهريب السلاح عبر نهر الأردن. وها هى الآن تشرع فى بناء جدار إلكترونى بطول الحدود الدولية مع مصر. لا أعلم إلى متى ستحرص إسرائيل أن تعيش مختبئة خلف الأسوار ووراء المتاريس، ولست على يقين تماما من أن الحصار الذى تفرضه إسرائيل على الآخرين ليس إلا حصارا تفرضه فى الواقع حول نفسها. عندما كانت مفاوضات الحكم الذاتى دائرة بين مصر وإسرائيل اعتبارا من عام 1979، أصّم الإسرائيليون آذاننا بحديثهم المتكرر عن ضرورة وجود «التعاون والتنسيق» بين إسرائيل وسلطة الحكم الذاتى الفلسطينى. اختفى الآن هذا الشعار ليستبدل بشعار «الخلاف والانفراد بالقرار».
إن أرادت إسرائيل أن تصبح جزءا من المنطقة التى توجد فيها، وتعيش فى سلام وأمن، فإن ذلك لن يكون عن طريق إقامة الأسوار وتشييد الحصون، ولكن عن طريق مد الجسور مع الجيران، وأول مستلزمات ذلك إنما يكون بالإقرار بمتطلباتهم العادلة والاعتراف بحقوقهم المشروعة.