السياسة الخارجية.. الضحية المنسية
سمير كرم
آخر تحديث:
الأربعاء 6 فبراير 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لا يزال الرئيس محمد مرسى فى بداية رئاسته لمصر. مع ذلك يمكن القول انه فى بداية هذه البداية بدا ــ بل اهتم بأن يبدو ــ مهتما إلى اقصى مدى بالسياسة الخارجية وقضاياها ومواقف مصر بشأنها. حتى لقد بدا أنه يفضل أن يقوم بدور وزير الخارجية.
سافر الرئيس مرسى إلى المملكة السعودية والى الصين والى ايران حيث حضر مؤتمر القمة لجبهة عدم الانحياز، والجمعية العامة للامم المتحدة (نيويورك) وتركيا وايطاليا وألمانيا وأظهر اهتماما لم يظهره رئيس فى شهور رئاسته الاولى بما يمكن ان يحصله فى نشاط خارج البلاد.
وعلى الرغم من ان أسفاره الخارجية هذه لم تكسب الكثير للسياسة المصرية، ولم يكن لها مردود يذكر على اوضاع مصر الاقتصادية أو على دورها العالمى، فإن الرئيس مرسى بدا شديد الاهتمام بالسياسة الخارجية وكأنه رجل محب للسفر ووجد فى منصبه كرئيس فرصة لتحقيق ما يمكنه وأكثر، حتى انه لم يتخذ قرار تأجيل رحلته إلى إثيوبيا لحضور مؤتمر القمة الافريقية إلا فى آخر لحظة ممكنة. وأناب عنه وزير الخارجية فيما يبدو أنه كان قرارا اضطر إليه عندما بدا أنه لو ترك البلاد وسافر إلى إثيوبيا لكانت تضاعفت واشتدت الانتقادات ضده نظرا للظروف الداخلية التى نعرفها جيدا.
•••
مع ذلك فإن السياسة الخارجية وقعت ضحية فى الايام المتوترة الاخيرة بأكثر مما تحتمل الامور والتطورات السيئة الحادثة فى مصر. وعلى سبيل المثال فإن مصر كانت مرشحة لاستضافة المؤتمر المنوط به مناقشة قضية انتشار الاسلحة النووية. وفجأة اعلنت ايران ــ بلسان وزير خارجيتها على أكبر صالحى ــ ان البلدان المشاركة فى هذا المؤتمر (105 دول) تعترض الآن على عقده فى القاهرة. وفهم طبعا ان السبب يرجع إلى الاحوال الداخلية السائدة فى مصر.
بالإضافة إلى هذا فإن زيارة الرئيس مرسى لألمانيا التى كان هو بالذات يعلق عليها آمالا كبيرة اصبحت زيارة عقيمة من حيث النتائج. وبدا فى جو عدم الثقة ان الرئيس مرسى كان يفكر فى الغائها أو تأجيلها حين جاء من ألمانيا ما يؤكد ان المستشارة الالمانية ميركل ترفض تأجيل هذه الزيارة لأن ظروف المانيا لا تسمح بمثل هذا التأجيل. وكان الوضع لا يزال معلقا بالتطورات الداخلية التى لا يمكن التنبؤ بمسارها.
•••
والامر الذى لا شك فيه ان دولا كثيرة فى العالم قريبة من مصر جغرافيا أو تاريخيا وكذلك بعيدة عنها ترقب الوضع فى مصر باهتمام كبير. فى مقدمة هذه الدول البلدان العربية وفى مقدمة المقدمة بلدان الخليج العربى. بعضها بسبب مشكلات معلقة بينها وبين مصر، كما هو حال السعودية والامارات على سبيل المثال. حيث توجد مشكلات تتطلب حلولا ولا تحتمل الانتظار حتى تصفو اجواء مصر السياسية والامنية الداخلية.. مشكلات تتعلق بالمواطنين المصريين الذين اودعت اعداد منهم السجون بانتظار البت فى اوضاعهم من القضاء المحلى. وبعضها بانتظار البت فيها بالتماسات مصرية عليا بالعفو عنهم أو عما ينسب اليهم من مخالفات. وهناك ايضا ما بين مصر وقطر من اتفاقات بعضها لا يزال فى طى الكتمان وبعضها لا يزال فى مرحلة الاختبار.
•••
وعلى ذكر قناة السويس فإن أحداث مصر تعلقت بمنطقة القناة ومحافظاتها المتاخمة للقناة. وظهرت إلى العلن مخاوف من ان تنال هذه الاحداث من سلامة قناة السويس والملاحة فيها. وصحيح ان الامور لم تصل حتى الآن إلى نقطة الحرج أو الشلل التى يمكن ان تؤثر سلبيا على هذه الملاحة ــ التى تعلق عليها دول العالم وخاصة اوروبا وامريكا أهمية قصوى ــ الا أن مجرد الاقتراب، ولو من بعيد، من هذه النقطة يثير فزعا اقتصاديا وتجاريا لا يمس مصر وحدها انما يمس الدول المستخدمة لقناة السويس.
وأيضا على ذكر قناة السويس فإن اسرائيل ونواياها بالنسبة لسيناء وبالنسبة لقناة السويس لابد ان تفرض نفسها. من ناحية لأن إسرائيل اظهرت فى ظروف أقل خطورة وارتباكا اهتماما بمدى قدرة مصر على ادارة القناة دون اى ملمح لمشاكل أو عقبات. ولا شك ان اسرائيل تعتبر قناة السويس احدى نقاط المساومة مع مصر فى اى مناقشات تدور مع مصر فى العلن وبشكل اخص فى الخفاء.
•••
اما بالنسبة للولايات المتحدة فالامر اكثر خطرا واكثر حساسية بالنظر إلى تعاظم الدور العسكرى الامريكى فى منطقة الخليج وابعد منها فى افريقيا غربا والمحيط الهندى شرقا. وليس من المستبعد باى حال ان يكون الوفد العسكرى والمخابراتى الذى زار مصر وهى فى ذروة اضطراباتها وأزمتها الداخلية قد بحث، خلال محادثاته مع القادة المصريين مدنيين وعسكريين، امورا تتعلق بقناة السويس والضمانات المتعلقة بالملاحة المدنية والعسكرية فيها. ولابد ان يكون تناول هذا الجانب قد تعلق بسياسات مصر الخارجية وليس باوضاعها وسياساتها الداخلية وحدها.
•••
وتجىء مسألة تأثيرات الاضطرابات الداخلية فى مصر على سياساتها الخارجية فى وقت يبدو فيه ان صعود تنظيم الاخوان المسلمين إلى السلطة قد حمل معه مؤشرات مختلفة فى درجة قوتها على ان سياسة مصر الخارجية اصبحت مرصودة من جانب دول العالم جميعا ــ تقريبا ــ من زوايا تأثيرها على المصالح والاهداف التى تخص هذه الدول بشكل أو بآخر. وعلى سبيل المثال فإن روسيا والصين اللتين تتخذان موقفا واحدا من الازمة السورية الدامية تهتمان يقينا بما يمكن ان تكون عليه سياسة مصر إزاء الأزمة السورية وما اذا كانت مصر ستتمكن فى ظروفها الداخلية الراهنة من رئاسة مؤتمر يتعلق بهذه الازمة السورية التى طال اجلها باكثر مما توقعت الاطراف المختلفة فى هذه الازمة.
واذا كانت مصر ستتمكن بالفعل من أداء دور فعال وعلى درجة كافية من الحسم إزاء المشكلة القائمة بين السودان وجنوب السودان بعد الدور الذى ادّته أو فشلت فى ادائه فى حدوث الانفصال بينهما. والسؤال الذى يفرض نفسه هنا هو اذا كانت مصر ــ تحت وطأة ظروفها الداخلية الراهنة ــ ستتمكن من رعاية وئام بين السودان وجنوب السودان، أو بالأحرى اذا كانت ستتمكن مع هذه الظروف الداخلية المريرة من الحيلولة دون نشوب حرب بين دولتى السودان. الامر الذى لابد ان تكون له انعكاساته على مصر اكثر من اى دولة افريقية اخرى.
بل ان تأثيرات الوضع المصرى الداخلى قد ظهرت فى درجة حادة من الحذر تمثلت فى بيان منظمة العفو الدولية الذى دعا دول العالم إلى «التوقف عن تصدير السلاح إلى مصر». وعلى الرغم من ان هذا البيان لم يتطرق إلى اسباب محددة واكتفى بالاشارة إلى التطورات الداخلية الا ان اهتمام منظمة العفو الدولية انما يعنى ان المنظمة لا تنظر بارتياح إلى استخدام اسلحة متطورة منها قنابل الغاز الحديثة المسيلة للدموع فى تصدى السلطات المصرية للمتظاهرين.
•••
إن أحداث مصر الأخيرة تقدم دليلًا كافيًا جديدًا على مدى تأثر السياسات الخارجية للدول بسياساتها الداخلية. والمؤكد أن تضاف إلى الدراسات الأكاديمية لهذا الموضوع الشائك.
كاتب صحفى مصرى