اعمل هندى
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الأربعاء 6 فبراير 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
يكاد ميدان التحرير أن يصبح ممثلا بالفعل لكل طوائف المجتمع.. كان فى يوم من الأيام ممثلا لكل ما هو جميل فى مصر.. هذه الأيام أصبح ممثلا للجميل والقبيح والأشد قبحا أيضا.. كانت مسألة وقت بالنسبة للميدان عشان يتحول لمراية تعكس المجتمع المصرى بكل ما يختفى تحت سجادته من قاذورات.. الميدان مكان مفتوح كل شخص مهما كانت نيته قادر على الدخول ليه بكل سهولة.. وفى الأوقات اللى مفهوم إنها بعيدة عن الخطر زى أى احتفالية أو إحياء ذكرى أو مظاهرة أو اعتصام من المعروف إن الداخلية مش هتمد قبضتها وغازها وخرطوشها ناحيته بيمتلئ الميدان بالناس وبيتسلل كالعادة بينهم كل أنواع الحشرات.. طرف تالت من مصلحته شعللة الأمور.. أو بلطجية بيلاقوا فى الزحمة مادة خام من ناس يمارسوا عليهم نشاطهم الأثير.. أو مأجورين هدف اللى بيمولهم إثارة الرعب فى نفوس الموجودين عشان يحرموا وما ينزلوش تانى للميدان.. بسبب كل أنواع الحشرات دى شباب كتير ماتوا.. لسه حقوقهم ماجاتش وأرواحهم لسه متعلقة بين السما والأرض فى انتظار القصاص.. بس ناس كتير لسه فاكراهم وبتكافح علشان حقوقهم.. وبسبب الحشرات دى برضه بنات كتير فقدوا كرامتهم وبراءتهم وأصيبت إنسانيتهم فى مقتل.. لكن الفرق إن مافيش حد مهتم.. مافيش حد بيتكلم.. ولا حد حتى بيتظاهر إنه بيدور على الفاعل أو حتى بيعترف إن الحوادث دى حصلت بالفعل..
عزيزى المصرى الحر شهادات ضحايا حوادث الاغتصاب الجماعى فى التحرير القليلة المصرح بيها، والعشرات من الشهادات المكتومة، دليل كافى على سقوط المجتمع ده فى حفرة من العفن صعب تخيل الخروج منها فى وقت قريب.. شهادات الضحايا عن العشرات اللى بيحيطوا بيهم والتلذذ بضرب الضحايا على وجوههم وإصابتهم بالأسلحة البيضا والسكاكين وتشريح أجسامهم بيها.. الناس اللى ما بتشاركش لكن بتستمتع بالوقوف فى مكان عالى والفرجة بتشفى.. الإصرار الجماعى على إهانة الضحية وزفها من مكان لمكان.. الاتفاقات اللحظية بين مجموعة من البشر ما يعرفوش بعض على الفتك بإنسانة لمجرد إنها أنثى.. لمجرد إنها هنا.. لمجرد إنها تحت إيدينا مش بس دليل على كبت جنسى زى ما علماء علم النفس والاجتماع هيقولولك.. لكن دليل على درجة التوحش اللى بقت بتترعرع فى المجتمع المصرى تجاه المرأة نتيجة لخطاب مجتمعى عفن بيغض النظر عن كل حالة تحرش طالما ما وصلتش لاغتصاب.. وخطاب دينى أعفن بيتبنى نظرية «تستاهل.. إيه اللى مشاها فى الشارع أصلا.. يا تركب هودج يا تتلقح فى البيت».. بل وخطاب ثورى أكثر عفونة مفاده « مش وقته.. إحنا فى إيه والا فى إيه.. وبلاش ترددوا الكلام ده عشان سمعة الميدان!!».. بالطبع فيه بارقة أمل هنا أو هناك من مجموعات بيكونها شباب وشابات لحماية بنات الميدان من التحرش وجمعيات حقوقية بتقدم دعم للضحايا وناس بيحاولوا جاهدين إيصال صرخات الضحايا للدولة وللإعلام.. لكن المشكلة مش مشكلة ميدان ولا ثورة ولا انفلات أمنى ولا دولة تايهة ولا فشل إعلام.. المشكلة إن فيه جرح كبير وقديم مليان صديد وما حدش عايز ينضفه.. المشكلة إن المجتمع المتدين بطبعه واللى انقلب فى التمانينات والتسعينات على حوادث «فتاة العتبة» و«فتاة المعادى» أصابته البلادة والعجز اللى بيخليه يستسهل لوم الضحية بل وبيستحسن لومها بعد ما ناس كتير صدرتله أعذار يتبناها عشان ما يثقلش بقايا الضمير اللى عنده بالألم.. أعذار زى «كانت لابسة إيه.. أكيد كانت بتضحك.. إيه اللى ممشيها لوحدها ؟..أكيد كانت مع حد فى وضع مش مظبوط.. إيه أصلا ممشيها فى الشارع ؟» أى حاجة غير إن الطرف التانى يبقى مجرم وإن هو شخصيا يبقى فاشل لأنه ما حمهاش..
فى الهند من مدة قصيرة تم اغتصاب بنت عندها 23 سنة على إيد 6 أشخاص داخل أتوبيس.. حوادث الاغتصاب الجماعى فى الهند شىء مش جديد، لكن الحادثة تسببت فى اعتراضات ومظاهرات وصلت لأعمال عنف لمجتمع وصل للحظة انفجار.. مجتمع قرر يضع حد للى بيحصل لبناته ونسائه كل يوم.. تفتكر إمتى يا عزيزى المصرى الحر هنوصل لليوم اللى ننزل كلنا رجالة وستات نرفض إننا دولة بقت مشهورة فى العالم كله بسمعتها السيئة فيما يخص التحرش.. إمتى هننزل أنا وانت ندافع عن حياة بنات بتنتهى عشان فيه مجتمع عمال يدى تبريرات لحيوانات بيستغلوا عجز المجتمع كل يوم ؟.. إمتى هنقف كلنا ضد الانتهاك اليومى اللى بتعانى منه كل ست مصرية بلا استثناء بدون ما نستنى انتخابات ومحاكمات ونائب عام على مزاجنا وبرلمان تحت إيدينا ودستور أمور ؟.. هل فيه أمل إننا قريبا نصل للحظة الانفجار اللى وصلت لها الهند على سبيل المثال ؟.. إمتى هنبقى هنود؟.. ندين ونصارح ونعترض ونغضب ونقول كفاية وذلك أضعف الإيمان.. عزيزى المصرى الحر أرجوك أرجوك.. لو مش قادر تعمل حاجة مفيدة.. على الأقل اعمل هندى.