إسرائيل تكتسب عداوات جديدة
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 6 مارس 2010 - 10:41 ص
بتوقيت القاهرة
لابد لنا أن نعترف بقدرات إسرائيل الفائقة وبراعتها فى اكتساب عداوة الدول بالجملة، ومن خلال ضربة واحدة. كان لابد وأن تنتفض الدول الأوروبية للدفاع عن كرامتها بعد أن قامت إسرائيل باستخدام أو تزوير جوازات سفر أربع من هذه الدول وهى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا ثم ازدادوا إلى خمس بضم أستراليا إلى القائمة.
السبب كما هو معروف هو توزيع هذه الجوازات على 26 عميلا إسرائيليا، انتحلوا شخصيات آخرين. والغرض هو اغتيال أحد قادة حماس على أرض دولة عربية وهو محمود المبحوح. لم تبالِ إسرائيل بما ينجم عن فعلتها من نتائج، سواء بتلطيخ سمعة الدول صاحبة جوازات السفر، أو إثارة الشكوك من الآن فصاعدا حول مدى سلامة هذه الوثائق عندما يقوم حاملوها بإبرازها لسلطات الجوازات فى البلاد التى يزورونها، بالإضافة إلى تعريض من تم انتحال شخصياتهم للملاحقة.
قامت هذه الدول جميعا باستدعاء سفراء إسرائيل لديها وطلب تفسيرات على وجه السرعة من حكومتهم. ولم تكتف بريطانيا بذلك بل أوفدت فريقا من إدارة مكافحة الجريمة المنظمة إلى إسرائيل لاستجواب هؤلاء الذين شاء حظهم التعس أن يروا أسماءهم على قوائم المطلوبين من قبل الأنتربول.
ثم اتخذ الاتحاد الأوروبى موقفا جماعيا حيال استخدام أو سوء استخدام جوازات سفر أوروبية فى عمليات اغتيال مثل التى جرت فى دبى، فأصدر وزراء الخارجية بيانا رسميا يوم 22 فبراير الماضى أدانوا فيه بشدة ــ وإن لم يفصحوا عن إسرائيل بالاسم ــ العملية. وأمطر وزراء الخارجية ليبرمان وزير خارجية إسرائيل بسيل من التساؤلات والاستفسارات عن حقيقة ما جرى عندما تواجد فى بروكسل وقت اجتماع وزراء الخارجية.
أما أستراليا فقد أعلن وزير خارجيتها أن الأمر إنما يشكل خطرا كبيرا على ملايين الأستراليين الذين يجوبون العالم كل عام، ويضعف الثقة فى وثائق سفرهم، ويثير الشبهات حول مدى صحتها. وأضاف الوزير أن بلاده لم تقتنع بالتفسيرات التى قدمها سفير إسرائيل عند استدعائه.
دفنت إسرائيل رأسها فى الرمال، فلا هى اعترفت بالمسئولية ولا هى نفتها عن نفسها. أما شرطة دبى فقد أكدت أن لديها دليلا لا يقبل الشك فيما وجهته من اتهامات وهو اكتشاف البصمة الوراثية DNA لأحد العملاء المتورطين بالإضافة إلى بصمات أصابع العديد من فريق الاغتيال.
لن يفيد إسرائيل إنكارها أو صمتها فى التقليل من حجم الاستنكار الأوروبى والاسترالى، كما لم يفدها محاولة التهوين من ردود الأفعال، فقد وقع الإثم وضاع الحذر.
وها هى إسرائيل تقابل صداقة هذه الدول لها وتعاطفهم معها بخطيئة لا تغتفر.
لن يتخلف مجلس جامعة الدول العربية فى اجتماعه الذى عقد يوم 3 مارس الجارى عن إدانة الجريمة المرتكبة بأقوى العبارات باعتبارها انتهاكا لسيادة وأمن دولة الإمارات وللأعراف والقانون الدولى، ومؤيدا جميع الجهود الرامية إلى أن يمثل من قاموا بارتكاب الجريمة أمام العدالة كى تتم محاسبتهم وفقا للاتفاقيات الدولية والقواعد القانونية.
كان من الطبيعى أن تبادر الدول العربية بالوقوف إلى جانب دبى بقوة خاصة وأن دولا عربية أخرى إما تم استباحة أراضيها بالفعل لارتكاب جرائم مماثلة مثل الأردن وسوريا ولبنان وتونس، أو مرشحة لأن تكون مسرحا لارتكاب جرائم أخرى فى المستقبل.
أما وقد خلقت إسرائيل أزمة أو أزمات مع الاتحاد الأوروبى ومع أستراليا، فإن الحلقة لن تكتمل إلا بإثارة أزمة أخرى مع الولايات المتحدة. صدق أو لا تصدق أن إسرائيل اختارت هذه المرة الكونجرس الأمريكى، بكل ما يكنه من تعاطف تجاهها، لكى توجه إليها سهامها.
والقصة أن وفد أمريكا من أعضاء الكونجرس من الديمقراطيين (حزب الرئيس أوباما) زار إسرائيل فى منتصف شهر فبراير الماضى ضمن جولة له فى المنطقة، إلا أن نائب وزير الخارجية الإسرائيلى دانى أيالون (صاحب الحادث الشهير مع السفير التركى) رفض مقابلة الوفد بل وسعى إلى منع إجراء مقابلات للوفد مع مسئولين فى مكتب رئيس الوزراء.
أما السبب فهو أن زيارة وفد الكونجرس تتم برعاية اللوبى الإسرائيلى الجديد فى الولايات المتحدة (J-Street) الذى يسعى لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين إنما لا ترضى عنه إسرائيل. ثارت ثائرة أعضاء الكونجرس الأمريكى تجاه هذا التصرف الإسرائيلى واستنكر رئيس الوفد هذه المعاملة السيئة لممثلى دولة هى أكبر حليف لإسرائيل، فضلا عن أن أعضاء الوفد أنفسهم يعدون من أكبر الذين يشيدون دائما بالعلاقات الخاصة التى تربط أمريكا بإسرائيل!
دفعت التصرفات الإسرائيلية الحمقاء هذه، سواء بالنسبة لعملية الاغتيال بدبى أو إهانة وفد الكونجرس الأمريكى، الكاتب الإسرائيلى برادلى بيرتون لأن ينشر مقالا فى صحيفة هاآرتس الإسرائيلية يوم 19 فبراير الماضى يحمل العنوان الآتى: «إننى أحسد هؤلاء الذين يكرهون إسرائيل». يقول الكاتب فى مقاله «عليك أن تكره إسرائيل بكل ما تستطيع، لأنك بهذا لن تقتنع فقط بأن هذه الدولة تستحق العقاب إلى الدرجة التى يستوجب معها أن تحل دولة أخرى محلها، بل ستقتنع أنت بأن إسرائيل لديها القدرة على أن تتولى بنفسها تحقيق ذلك».
ويختم الكاتب مقاله بأنه يحسد هؤلاء الذين يكرهون إسرائيل لأنهم بذلك يجنبون أنفسهم مأساة تخليهم عن آدميتهم إذا ما قرروا الانتقال إلى هذا البلد (الكاتب هو من بين الذين هاجروا فى السابق إلى إسرائيل).
أما وقد نجحت إسرائيل بامتياز فى الإساءة إلى أصدقائها فى أوروبا وأمريكا وأستراليا، فما بال «الأعداء» فى فلسطين وفى العالمين العربى والإسلامى وهم الأولى والأحق بالإساءة! فبالتزامن مع الاقتحامات المتوالية للمستوطنين والجنود الإسرائيليين لباحة المسجد الأقصى، يقرر نتنياهو يوم 25 فبراير الماضى ضم الحرم الإبراهيمى فى الخليل بالضفة الغربية وكذلك مسجد بلال بن رباح إلى الآثار اليهودية التى يجب ترميمها عن طريق الميزانية الإسرائيلية، وذلك من أجل الحفاظ عليها كجزء من التراث اليهودى وتأكيدا للصلات التاريخية بين إسرائيل وأرضها فى يهودا والسامرة! وصف أحد المعلقين الإسرائيليين هذه الخطوة من جانب الحكومة الإسرائيلية بأنها ليست إلا امتدادا لإستراتيجيتها فى معاداة جيرانها، وسياستها فى استثارة العالم بأجمعه.
وأخيرا كان على العالم أن يعيد تأكيد موقفه من الجرائم التى ارتكبتها إسرائيل فى غزة نهاية عام 2008 وظنت أنها ناجية بفعلتها. أصدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا جديدا يوم 26 فبراير الماضى، متابعة للقرار الذى سبق أن أصدرته فى 5 نوفمبر 2009، ويطالب القرار الجديد إسرائيل والسلطة الفلسطينية مرة أخرى بإجراء تحقيقات مستقلة ومتفقة مع المعايير الدولية فى الجرائم التى اشتمل عليها تقرير جولدستون. وافقت 98 دولة على القرار بينما عارضته 7 دول فقط، على رأسهم إسرائيل بالطبع.
أما كيف تمكنت إسرائيل من اكتساب كل هذه العداوات وخلال فترة زمنية قياسية، فأمر يصعب فك طلاسمه؟