الشرق الأوسط بعد حسنى مبارك
محمد السماك
آخر تحديث:
الأحد 6 مارس 2011 - 9:52 ص
بتوقيت القاهرة
كثيرة هى الأسئلة التى يطرحها سقوط الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك فى ضوء الظروف التى أحاطت بهذا السقوط والطريقة التى اعتمدت للتخلص من حكمه الذى استمر ثلاثة عقود متواصلة.
ويدور أهم هذه الأسئلة حول ثلاثة محاور:
المحور الإسرائيلى، والمحور الإيرانى والمحور العربى.
يطرح المحور الإسرائيلى السؤال عن جدلية العلاقة بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة. فالتسوية السلمية بين مصر وإسرائيل ما كانت لتقوم لولا المبادرة الأمريكية. وما كانت لتستمر لولا الالتزامات الأمريكية (المالية والسياسية والعسكرية). ذلك انها تسوية بين حكومتين. ولم ترقَ أبدا إلى أن تكون تسوية بين شعبين. ولذلك بقيت تسوية باردة منذ عام 1979 حتى اليوم. وبسقوط النظام المصرى الذى يمثل احدى قاعدتى جسر التسوية، يخشى أن تتهاوى هذه التسوية وتنهار. غير ان الخوف من تداعيات هذا التهاوى أو الانهيار هو الذى يحافظ عليها وحتى اشعار آخر.
وبانتظار ذلك، تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للبحث عن وسيلة ناجعة لإعادة بناء قاعدة الجسر التى انهارت بسقوط الرئيس مبارك. فهى تتعامل مع إسرائيل وكأنها امتداد استراتيجى لها فى الشرق الأوسط. فإسرائيل هى مخزن للأسلحة الأمريكية، وموقع متقدم للتجسس على العالم العربى، وخندق أمامى عندما تدعو الحاجة.
ولكن الولايات المتحدة فى الوقت ذاته لا تستطيع أن تتحمل مزيدا من تصعيد اللاثقة العربية بها خاصة بعد أن استعدت الرأى العام العربى بالحرب على العراق. وبالنتائج الكارثية التى انتهت اليها هذه الحرب. ولعل الطريقة التى اعتمدتها إدارة الرئيس باراك أوباما فى التعامل مع الرئيس المصرى المخلوع طوال 18 يوما من ثورة شباب مصر، توفر لها الأرضية الصالحة للمحافظة ولو على الحد الأدنى من هذه الثقة.
لقد تخلت الولايات المتحدة عن حسنى مبارك كما تخلت من قبل وبالكيفية ذاتها عن شاه إيران وعن الرئيس ماركوس فى الفلبين. وبدا ذلك أشبه ما يكون بالتخلص من ليمونة بعد عصرها حتى النقطة الأخيرة.
ويثير هذا السلوك السياسى الأمريكى (الذى عرفته دول أخرى فى آسيا وأمريكا اللاتينية) القلق من صدقية التحالف مع الولايات المتحدة. ذلك أن الثابت لديها هو إسرائيل، والمتغير هو الأنظمة العربية.
فى عام 1948 سارع الرئيس الأمريكى هارى ترومان إلى الاعتراف بإسرائيل بعد وقت قصير من إعلان ولادتها، خلافا لنصائح بعض مستشاريه. يومها قال ترومان عبارته الشهيرة: «لقد كان على أن أستجيب إلى طلبات مئات الآلاف من الذين يهمهم نجاح الصهيونية (أى اليهود) ولكن لا يوجد فى دائرتى الانتخابية مئات الآلاف من العرب».
ومنذ ذلك الوقت أصبح الدور اليهودى ــ الصهيونى فى المال والإعلام والسياسة، الأساس الذى تقوم عليه العلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية. ولقد ذكر الاستاذان الجامعيان ستيفن والت وجون مايشايمر فى كتابهما الذى صدر فى عام 2007 حول دور اللوبى اليهودى فى السياسة الأمريكية «ان اجتياح العراق كان استجابة لضغط هذا اللوبى، وأنه لولا ذلك ما اتخذ الرئيس جورج بوش ــ الابن ــ قراره بالحرب على العراق».
وفى ضوء هذه القواعد الثابتة للعلاقات الإسرائيلية ــ الأمريكية، فإن الولايات المتحدة مهتمة الآن ــ ولعلها مهمومة أيضا ــ فى البحث عن وسيلة لإنقاذ معاهدة الصلح المصرية ــ الإسرائيلية وتثبيتها بعد إسقاط حسنى مبارك الذى كان حارسا أمينا لها منذ أن تولى الرئاسة بعد اغتيال الرئيس الراحل انور السادات.
لم تخف إسرائيل قلقها على هذه المعاهدة وعلى مخاطر سقوطها أو حتى على احتمال سقوطها. إلا أن صوت الخوف الإسرائيلى كان أكثر ارتفاعا لجهة تداعيات خلع الرئيس مبارك الزعيم العربى (السابق) الوحيد الذى كان يتجرأ على استقبال المسئولين الإسرائيليين خلال أكثر الأزمات الإسرائيلية ــ العربية حدة.
لقد كان موقف مبارك من الحرب الإسرائيلية على لبنان فى عام 2006 ثم من الحرب الإسرائيلية على غزة فى عام 2008 مريحا لإسرائيل إلى درجة بدا معها وكأنه كان غير معارض لها. ولذلك تتحدث إسرائيل بقلق عن الشعور بالعزلة من جراء سقوط الركن الأساسى المنفتح عليها. وهى عزلة قد تدفعها إلى أحد أمرين: إما إلى المزيد من التطرف، كما يدعو إلى ذلك الثنائى نتنياهو ــ ليبرمان، أو إلى الانفتاح على مشروع الدولة الفلسطينية ليكون تنفيذه امتصاصا لرد الفعل العربى المتوقع، وتاليا مدخلا إلى انفتاح عربى أوسع، كما تتمنى إدارة الرئيس أوباما وتسعى اليه.
والكابوس الذى يقض المضجع الإسرائيلى الآن هو أن يصل متطرفون إسلاميون بكيفية ما، أو بصيغة ما إلى السلطة فى مصر، وأن يقوم نوع من التحالف أو حتى التعاون بين مصر وحماس فى غزة، تكون ايران وربما حتى حزب الله فى لبنان طرفا فيه، وهو أسوأ سيناريو لما بعد مبارك.
ومع تعثر مساعى التسوية حول مرتفعات الجولان، فإن إسرائيل تشعر ليس بالعزلة فقط، إنما بالحصار أيضا.
لقد اطمأنت إسرائيل إلى نجاحها فى فك ارتباط مصر بالصراع العربى معها وذلك بالتوقيع على معاهدة كامب دافيد. واطمأنت إلى انضمام الأردن إلى معاهدة الصلح فى وادى عربة. واعتقدت أن حربها على لبنان ــ أو سلسلة حروبها عليه ــ وكذلك احتلالها للضفة الغربية وغزة قطع أوصال دائرة الحصار الذى كانت تعانى منه. غير انها اليوم تخشى أن تعود الحلقة إلى التكامل مرة أخرى بصمود غزة.. وبالفشل فى لبنان.. وبسقوط مبارك فى مصر.
لقد كانت إسرائيل ــ ومعها الولايات المتحدة ــ فى موقع الهجوم على إيران على خلفية ملفها النووى. وكان الرئيس السابق حسنى مبارك متآلفا ــ إن لم يكن متحالفا ــ مع هذا الموقع. ولكن بعد إسقاطه انقلب الوضع رأسا على عقب. أو هكذا يبدو لإيران. فهى تحاول ان توظف طى صفحة مبارك لفتح صفحة جديدة توحى بقدرتها على تغيير قواعد اللعبة متسلحة بالمتغيرات التى وقعت.. وبتلك التى ينتظر أن تقع.
من هنا التداخل بين المحاور الثلاثة الإسرائيلى ــ الأمريكى، والايرانى والعربى فى التعامل مع تداعيات إسقاط مبارك وما بعد إسقاطه.
غير أنه لا يبدو أن هذه التداعيات تقف عند هذا الحد. فحجارة الدومينو بدأت تتوالى سقوطا بعد السقوط الأول للرئيس التونسى زين العابدين بن على. وبالتالى فإن المتغيرات التى بدأت تعيد تحديد الهوية السياسية للمنطقة وصيغة التحالفات المقبلة، لا تزال فى مراحلها الأولية.. وتبدو هذه المراحل حبلى بالمفاجآت!!.