الدليل على أن الثورة مستمرة

سمير كرم
سمير كرم

آخر تحديث: الأربعاء 6 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

من أكثر العبارات ترددا فى النقاش الدائر الآن حول ثورة 25 يناير العبارة القائلة أن الثورة مستمرة.

 

ترد عبارة الثورة مستمرة كبداية للمناقشة حول أين هى الثورة، كما ترد كنهاية، كنتيجة، لهذه المناقشة. لكن فى كلتا الحالتين لا يرد دليل مقنع وقاطع على أن هذه عبارة تصف الواقع الذى نعيشه.

 

وبعيدا عن هذه المناقشات التى تبدو متفائلة فإن نمط التصرفات التى تصدر عن اناس كثيرين يعطى أدلة مختلفة على أن الثورة إما ماتت أو سرقت أو انتهت بصعود الإخوان المسلمين إلى السلطة، أو فإن هذا النمط يذهب ــ فى نوع آخر من المناقشات أو السلوكيات ــ إلى أن الثورة لم تكن ثورة، إنما كانت مجرد انتفاضة أو هبّة صاحبت دخول الإخوان المسلمين فى الصورة واستيلاءهم على السلطة وتوجيههم لها فى ناحية خدمة استحواذهم على السلطات والامتيازات والمزايا التى يجنيها الحكام عادة حينما لا تكون هناك ثورة.

 

مع ذلك لا يزال يبدو أن القول بأن الثورة مستمرة هو الرأى الغالب بين جماهير مصر، خاصة تلك التى تلجأ إلى الشارع للتعبير عن رأيها سواء فى صورة مظاهرات أو اعتصامات أو فى صورة عصيان مدني. وبصفة خاصة يبدو أن العصيان المدنى هو السلوك الزاحف على المدن المصرية مؤكدا استمرار الثورة بمزيد من الانتشار ومزيد من الآلام المصاحبة.

 

والأمر الظاهر والأكثر إقناعا بأن الثورة مستمرة يظهر فى الممارسة الفعلية لحرية الرأى أكثر مما يبدو فى أى سلوك ثورى آخر. وفى هذا الاطار يمكن اعتبار العصيان المدنى أهم التعبيرات العملية عن حرية الرأى. لكن حرية الرأى تبدو أكثر انتشارا وفاعلية وتأثيرا فى المناقشات الدائرة فى الصحافة ــ بما فى ذلك الصحافة القومية التى تبدو غير قادرة أو غير راغبة فى ترك فرصة حرية التعبير تفلت منها ــ سواء الصحافة المقروءة أو المرئية أو المسموعة. إن حرية الرأى تبدو، فوق كل تغيير آخر صاحب الثورة وتطوراتها، هى النمط الغالب على المشهد، تمارسها الجماهير المتظاهرة، كما تمارسها الجماعات المعارضة والجماعات الموالية، وتمارسها الآليات الاعلامية بكل اتجاهاتها، وبطبيعة الحال تلك المعبرة عن ضرورة استمرار الثورة.

 

•••

 

المهم الذى نريد التأكيد عليه هو أن حرية الرأى تأخذ مساحة أكبر من غيرها من المشهد المصرى منذ الثورة.. مساحة تربو على كل ما عداها. والأهم من ذلك أنها تربو على ما كان النظام الذى اسقطته الثورة يتيحه. وقد كان يتيح ــ ضمن ما يسمح به ــ مساحة يحددها هو وآلياته ويلغى ما يتجاوزها. إن حرية الرأى فى الممارسة العملية تبلغ منذ ثورة 25 يناير حدا لم تعرفه مصر من قبل. وعلى سبيل المثال فإن الإخوان المسلمين كتنظيم سياسى وشبه عسكرى ومسلح لم يكن يمارس حرية الرأى بشكل مطلق فى العهد الملكى، بل انه تعرض لعقوبة السجن حينما كان يتجاوز الحدود المسموح بها من حرية الرأى، وليس فقط حينما كان يلجأ لأسلوب جرائم الاغتيال ضد اعدائه فى السلطة.

 

فاذا ما توصلنا إلى اقتناع تام بأن مساحة حرية الرأى المتاحة الآن للمصريين جماعات وأفرادا غير مسبوقة يصبح من الضرورى أن نتساءل اذا كانت هذه المساحة متاحة بفضل قرار من السلطة الإخوانية الحالية، أم أن هذه السلطة تعتبر أن حرية الرأى السائدة إحدى النتائج التى فرضتها ثورة 25 يناير وانها ــ أى سلطة الإخوان المسلمين ــ لا تملك محوها أو محو جزء منها فتصبح حرية الرأى مقيدة ومحدودة بما تسمح به هذه السلطة.

 

ولا يعنى هذا أن سلطة الإخوان المسلمين لا تحاول الحد من حرية الرأى، انها تحاول، وتدل بعض ممارساتها على انها تمارس اللجوء إلى قوانين النظام القديم التى لا تزال معمولا بها لكى تحد من حرية الرأى، خاصة فيما يعقب الصدامات بين قوات الأمن والجماهير فى حالة تظاهر أو اعتصام أو غير ذلك. ولكن هذا بدوره لا يعنى أن حرية الرأى تنحنى امام إجراءات وممارسات السلطة. انما الحقيقة أن حرية الرأى أثبتت وتثبت أنها قادرة على تحدى وتخطى إجراءات السلطة، وانها بالتالى لا تزال أقوى الأدلة العملية المشهودة على أن الثورة مستمرة.

 

•••

 

ولا بد أن نتوقع ان حرية الرأى ستفرض نفسها بقوة فى المرحلة التى ستشهد الانتخابات العامة بعد أقل قليلا من شهرين. ونستطيع من الآن أن نؤكد أن قرارات جبهة الانقاذ المعارضة وكذلك قرارات احزابها التى اعلنت انها ستقاطع الانتخابات العامة القادمة، من ناحية الترشيح ومن ناحية التصويت على السواء. إن مقاطعة الانتخابات والإعلان عن ذلك بعد أيام قليلة من إعلان رئيس الجمهورية عن موعد الانتخابات، هو فى أهم جوانبه ممارسة عملية لحرية الرأي. فقد صحب الإعلان عن مقاطعة الانتخابات إعلان الرأى القائل بأن تحديد موعد الانتخابات من جانب السلطة قبل الدخول فى حوار صريح وحر مع قوى المعارضة حول هذا الموعد وحول الضمانات التى يتعين توفيرها لإجرائها، هو ممارسة لحرية الرأى أكثر منه ممارسة لحقوق سياسية اخرى. وبالمثل فإن إعلان القليل من القوى السياسية عن قبولها خوض الانتخابات بشروط السلطة على الرغم من وقوفها طوال الأشهر الماضية فى صفوف المعارضة هو بدوره نوع من ممارسة حرية الرأى فى محاولة لإجهاض الرأى الآخر الذى قرر مقاطعة الانتخابات بالكامل.

 

ومن المؤكد أن يصبح التساؤل خلال الفترة المتبقية على موعد الانتخابات العامة عن المصير الذى ستنتهى إليه الانتخابات وما اذا كانت ستجرى أو اذا كانت ستتمكن من اقناع الجماهير الشعبية بنجاحها، مرتبطا باتساع نطاق العصيان المدنى ليشمل مدنا لم يكن قد شملها فى بداياته الاولى، أو ليشمل مؤسسات وتجمعات لم تكن قد لجأت إلى العصيان المدنى كوسيلة للتعبير عن رأيها فى سلطة الإخوان المسلمين أو رأيها فى العملية الانتخابية المزمع إجراؤها. ولعل العصيان المدنى سيؤدى فى مصر دورا لم يسبق أن أداه فى أى بلد آخر أو فى أى ثورة أخرى اذا تمكن من فرض نفسه وفرض قوته الاحتجاجية فى وقت اختارته السلطة موعدا لإجراء الانتخابات. فإذا استطاع العصيان المدنى أن يُفشل العملية الانتخابية يكون قد أدى دورا غير مسبوق. ذلك انه يكون قد تجاوز دور مقاطعة الانتخابات إلى دور إفشالها وبالتالى إفشال الشرعية التى تريد أن تَخرج بها سلطة الإخوان المسلمين.

 

•••

 

لن تستطيع سلطة الإخوان المسلمين أن تلغى حرية الرأى ونتائجها العملية. إنما ستبقى فاعليتها فى الإعلام المعارض وفى الشارع المعارض وفى التكوينات السياسية المعارضة. والثورة مستمرة طالما استمرت حرية الرأى وهى بالتأكيد مستمرة.

 

 

 

كاتب صحفى مصري

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved