فى أمور السلطة فقط!

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأحد 6 مارس 2016 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

ليس حكم الفرد سوى ظاهرة متهالكة تجاوزها واقع المجتمعات المعاصرة، كل المجتمعات المعاصرة بتنوع وتعقد قضاياها.

ليس حكم الفرد سوى عنوان تناقض صارخ بين قواعد العمل الجماعى والتشاركى التى تدار وفقا لها الشئون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات المعاصرة حين يضطلع بها القطاع الخاص أو تشرف عليها المنظمات غير الحكومية، وبين النهج الردىء فى السياسة وأمور السلطة حين تخضع لفرد أو مؤسسة أو نخبة وحين يخير الناس بين الطاعة والامتثال أو القمع والعقاب.

ليس حكم الفرد سوى عامل إفساد أساسى للمواطن والمجتمع والدولة. فالمواطن يفقد القدرة على الاختيار الحر، ويراوح بين مواقع الخوف من القمع (التى تدفعه تارة إلى إظهار التأييد للحاكم وأخرى إلى العزوف والصمت) وبين خانات الانسحاب من الشأن العام والبحث عن الحلول الشخصية. وتصيب المجتمع فى مقتل بارانويا التنصت والتعقب والشك والتخوين التى تجعل من كل مواطن متآمرا محتملا وتضفى شرعية زائفة على ممارسة القمع وإنزال العقاب، والحصيلة هى مجتمع خائف وضعيف يتصارع به الجميع ضد الجميع. أما الدولة فيفسدها فقدان الثقة الشعبية فى مؤسساتها وأجهزتها التى يورطها حكم الفرد فى تجاوزات ومظالم وانتهاكات يومية، ويفسدها أيضا تغول الحاكم وسوء استغلاله لسلطات المنصب العام ووضعه «لرجاله» أو «أهل ثقته» أو «خدمته» فى مراكز صنع القرار الرسمى دون كثير اعتبار لكفاءة أو رشادة أو رؤية.

ليس حكم الفرد سوى دليل بين على الوضعية المزرية لشئون السياسة وأمور السلطة وللمتكالبين عليها مقارنة بالنخب الجادة التى تقود القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية وتصنع التقدم الحقيقى. معاهد البحث العلمى، الشركات العاملة فى مجالات التطور التكنولوجى، تقنيات الرعاية الصحية، الشركات متوسطة وصغيرة الحجم التى تبحث باستمرار عن التميز والتفوق تارة بغرض التوسع والانفتاح على أسواق جديدة وأخرى من أجل البقاء وتجاوز الأزمات الاقتصادية والمالية الحادة دون انهيارات مؤثرة، المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية؛ هم جميعا يصنعون التقدم الحقيقى من خلال العمل الجماعى وبتوظيف العلم والإبداع وحرية الفكر والخيال. لا قبول لحكم فرد فى أوساطهم، ولا رغبة لدى نخبهم الجادة فى الالتحاق بشئون السياسة أو التورط فى أمور السلطة التى لا يرون بها ما يربط بينها وبين القرن الحادى والعشرين.

ليس حكم الفرد سوى تنصل مطلق من العبر التى استخلصتها البشرية المعاصرة من الديكتاتورية النازية التى جاء بها فرد، ومن الديكتاتورية الستالينية التى سيطر بها فرد على حزب ومجتمع ودولة، ومن المستبدين الذين سطوا على بلاد العرب ومازالوا يستبيحون الدماء نظير البقاء فى الحكم، ومن مستبدين وفاسدين آخرين يسومون شعوبهم سوء العذاب. والعبر هى أن حكم الفرد مآله أن يفضى إلى دمار وخراب، وأن الشعوب التى يتسلط عليها أفراد قد تتعاقب عليها مراحل الدمار والخراب دون توقف، وأن حكم الفرد لا يتورع عن سفك الدماء ولا تتوقف جرائمه حين يثور الناس وترتفع رايات المطالبة بالحق والعدل والحرية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved