شطب وإلغاء القضية الفلسطينية.. يسقط حل الدولتين
مواقع عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 6 مارس 2018 - 10:30 م
بتوقيت القاهرة
نشر الموقع الإلكترونى لصحيفة «رأى الأمم» الفلسطينية مقالا للكاتب «لبيب قمحاوى» وجاء فيه:
يتجه المزاج السياسى فى إسرائيل باطراد نحو أقصى اليمين. فالسقوط والتهالك العربى والفلسطينى قد نجح فى إعطاء أقصى اليمين الإسرائيلى مزيدا من النجاحات المجانية على مدى السنوات الماضية، وهو ما جعل منه بطل الإنجاز السياسى فى إسرائيل، وساهم فى القضاء على احتمالية تولى اليسار الحكم، بل حَوَّل أى برنامج سياسى حزبى إسرائيلى يدعو إلى التفاهم مع الفلسطينيين إلى مؤشر على الضعف، وبالتالى الرفض بالنسبة للجمهور الإسرائيلى بشكل عام. وعلى هذا الأساس، فإن أى محاولة فلسطينية للتوصل إلى تسوية سلمية الآن سوف تكون بالضرورة تسوية ضمن رؤية اليمين الإسرائيلى المتطرف الذى لا يعترف ــ أصلا ــ بأى حقوق طبيعية أو سياسية للفلسطينيين على أرض فلسطين، وهو ما يعنى أن أى تسوية سوف تكون حكما ضمن الإطار السياسى الإسرائيلى وحسب رؤيته ومصالحه.
وهكذا، ساهمت التنازلات المجانية الفلسطينية والعربية فى تعزيز الموقف المتصلب لليمين الإسرائيلى وأكدت قناعته بعدم وجوب إعطاء الفلسطينيين أى تنازل حقيقى مهما كان صغيرا لأن القيادة الفلسطينية سوف تقبل بالنتيجة بما يُعرَض عليها من فتات. وقد ترافق هذا الموقف مع مزيد من التصلب الإسرائيلى فى معالجة أى شكل من أشكال الرفض أو المقاومة الفلسطينية باعتبار أن ذلك سوف يشكل سابقة لا يمكن السماح بها. وهكذا ابتدأ المسار المجحف الذى ربط التنازلات الفلسطينية بالتصلب الإسرائيلى وأصبح كلاهما متلازمين معا ويرافقهما مزيد من التشدد والقسوة الإسرائيلية فى التعامل مع أى شكل من أشكال المعارضة أو المقاومة الفلسطينية. وقد تولدت، مع الوقت، قناعة عامة ضمن أوساط غالبية الإسرائيليين بنجاعة هذه السياسة فى التعامل مع الفلسطينيين.
إن الحديث عن أى تسويات سياسية فى الوقت الحاضر يجب أن يأخذ هذا الواقع المؤلم بعين الاعتبار، وأن يعتبر أن ما هو مقبول إسرائيليا لن يكون فى مصلحة الفلسطينيين على الإطلاق، وأن الهدف من وراء المسيرة السلمية هو شطب وإلغاء القضية الفلسطينية برمتها وليس حلها سواء بشكل عادل أو غير عادل.
***
وأضاف: إن كثرة التصريحات العربية والفلسطينية فى الآونة الأخيرة والتى تطالب «بحل الدولتين» وتؤكد على أهميته بوصفه تعبيرا عن الحل المنشود للقضية الفلسطينية هى جريمة وعار على كل من يُطالب به. إذ لا مصلحة للفلسطينيين فى حل الدولتين، وتُعتبر المناداة به خطأ استراتيجيا فاحشا انطلاقا من واقع الحال الخطيرة والحرجة التى وصلت إليها مرحلة استعمار فلسطين، وطبيعة الوضع الفلسطينى والعربى المهلهل مقارنة بالوضع الإسرائيلى الناهض. إن المناداة «بحل الدولتين» باعتباره حلا استراتيجيا ومطلبا وطنيا فلسطينيا وعربيا تعكس الضعف البنيوى والهزال الفكرى والعقائدى الذى وصلت إليه القيادة الفلسطينية وبعض الفلسطينيين من جهة، وتدهور وانهيار الوضع العربى عموما من جهة أخرى، هذا فى حين أن قوة إسرائيل العسكرية والاقتصادية ونفوذها السياسى الإقليمى والدولى فى ازدياد، على الرغم من تزايد الرفض لسياساتها وقوانينها العنصرية بين أوساط الشباب والمثقفين وحتى بعض السياسيين فى الغرب.
المطلوب الآن هو إعلان الفلسطينيين عن رفضهم لمبدأ تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين. فالدولة المخصصة للفلسطينيين ــ فيما لو تحققت ــ سوف تكون شبه دولة، منزوعة السلاح والسيادة الفعلية، وعبارة عن أشلاء هنا وهناك مقدر لها أن تعيش إلى الأبد فى ظل الدولة الأكبر والأقوى، وهى إسرائيل. منطق الأمور إذا يفترض ألا يطالب الفلسطينيون، أو يوافقوا على تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين. فذلك لو تم فإنه يعنى الموافقة الضمنية الفلسطينية على أن تبقى إسرائيل قائمة إلى الأبد وأن فلسطين – بالتالى ــ سوف تبقى مقسمة إلى الأبد، وهذا أمر يصب فى مصلحة الإسرائيليين.
التغيير الذى يعصف بالعالم العربى الآن والضعف والهَرَم والجمود الذى أصاب القيادة الفلسطينية، والجموح الملحوظ فى أوساط الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه توفير دعم بلا حدود لإسرائيل ــ هى عوامل تستدعى إعادة النظر فيما يريده الفلسطينيون وفيما هم مقبلون عليه، وكذلك فيما يمكن أن يفعله الفلسطينيون وفيما يجب ألا يفعلوه.
من الواضح أن الفلسطينيين تحت الاحتلال قد أصبحوا الآن قاعدة الارتكاز الرئيسة للقضية الفلسطينية والأساس فى مقاومة الاحتلال بشتى الطرق والأساليب، وهو ما يستدعى ضرورة إعادة توحيد الشعب الفلسطينى القابع تحت الاحتلال كشرط أساسى لاستنهاض تلك المقاومة. ويرتبط هذا الهدف بأهميته وضرورته لتعزيز القدرة على إعادة توحيد القضية الفلسطينية من خلال إلغاء التشرذم الحاصل الآن فى واقع الفلسطينيين وفى أهدافهم ووسائلهم وضرورة إعادة القضية الفلسطينية إلى وضعها الطبيعى كقضية واحدة مركزية لا تستند فقط إلى عدالتها وإلى أولوية الحق، ولكن أيضا وبالإضافة إلى كونها أساس الاستقرار الإقليمى والدولى، حتى لو بقى الفلسطينيون وحدهم وتخلت عنهم معظم الأنظمة العربية.
***
ويرى الكاتب أن مفهوم النضال يجب أن يتم تطويره فلسطينيا ليأخذ أشكالا وأنماطا جديدة بهدف تجاوز قسوة واقع الحال داخل فلسطين المحتلة والعالم العربى وهو فى مُجْمَلِه فى غير صالح الفلسطينيين وقضيتهم. المفهوم الجديد للنضال والكفاح يجب أن يخرج عن إطاره التقليدى الذى يحصره فى الكفاح المسلح، وهو ــ على أهميته ــ يجب ألا يعُتبر المسار النضالى الوحيد. وحتى يتناسب النضال الفلسطينى وواقع موازين القوة بين إسرائيل والفلسطينيين والعرب، يتوجب عليه أن يأخذ أشكالا وأنماطا جديدة وشاملة تصب فى خانة النضال دون أن تسعى إلى ارتكاب خطأ الانتحار فى مواجهةٍ مسلحةٍ شاملةٍ يائسة نتائجها شبه محسومة. وهكذا فإن الكر والفر قد يكون جزءا من استراتيجية نضالية مقبولة ومُتَعارف عليها تحمل تقديرا محسوبا للمخاطرة المبنية على الفروقات الكبيرة فى معادلات القوة مع العدو، دون أن يعنى ذلك الاستسلام لها باعتبارها أمرا واقـعا حتميا. وانطلاقا من هذا المفهوم فإن النهج الأمنى الإسرائيلى كان يسعى دائما ــ ولا يزال ــ إلى الرد على أى عملية فدائية مهما صَغُرَتْ بأقصى ما تملك من موارد حتى يجعل كلفة استراتيجية الكر والفر عالية ومساوية تقريبا لكلفة المواجهة الشاملة. ولكن ذلك يجب ألا يردع الفلسطينيين عن الاستمرار فى هذا النهج من النضال، ولكن بوعى أكبر وتكتم أعظم وضمن استراتيجية نضالية متعددة الأوجه وشاملة لمختلف نواحى الحياة.
أنماط النضال الأخرى قد لا تكون عسكرية أو شبه عسكرية، وقد تكون سياسية أو قانونية أو ثقافية أو اجتماعية... إلخ. وهذا التنوع فى أنماط النضال هو الرد المناسب على حالة الاستعمار التى يمارسها الصهاينة فى فلسطين ضد الشعب والتاريخ والتراث الفلسطينى والأرض الفلسطينية. والأنماط الجديدة من النضال على تنوعها قد تُعطى ــ فى مجموعها وفى المحصلة النهائية ــ نتائج ملموسة حيث إنها تخترق الممنوعات والمحظورات والعُقَدَ النفسية التى غالبا ما حَكَمَت الموقف الفلسطينى دون أى فائدة تُذْكَر.
الصمود الفلسطينى على الأرض هو نضال، وهو الرد على سياسة إفراغ الأرض من أصحابها.. وإحياء التراث الفلسطينى وتكريسه هو نضال وهو الرد على أكذوبة يهودية الدولة.. والإصرار على الثقافة والتعليم هو نضال وهو الرد على المحاولات الإسرائيلية لتجهيل الشعب الفلسطينى وتحويله إلى عمال مياومة.. والحفاظ على التاريخ الفلسطينى وتوثيقه هو نضال وهو الرد على مزاعم الحركة الصهيونية عن حق اليهود التاريخى فى فلسطين.. كما أن هنالك مجالات أخرى للنضال مثل عضوية الكنيسيت الإسرائيلى والتى يجب ألا يتم تجريمها فلسطينيا باعتبارها اعترافا بالعدو، بل يجب النظر إليها باعتبارها وسيلة للنضال ضد سياسة وقوانين الاحتلال العنصرية، وبالتالى الانتقال بها من كونهـا منبرا احتجاجيـا فقط، لتصبح وسيلة لخدمة أهداف ومطالب الفلسطينييـن تحت جبروت الحكم الإسرائيلى، دون أن يعنى ذلك أو يؤدى إلى ذوبان الفلسطينيين فى المجتمع الإسرائيلى وفقدانهم لشخصيتهم الفلسطينية وتحولهم إلى إسرائيليين. فالمواطنة المتكافئة ليست بديلا عن التحرير ولكنها محطة على الطريق تهدف إلى التمكين التدريجى للفلسطينيين.
***
إن التوجه نحو فك الارتباط الواقعى بين بعض الأنظمة العربية والقضية الفلسطينية، واتجاه تلك الأنظمة لإعطاء الأولوية الاستراتيجية لعلاقاتها مع إسرائيل قد جعل من الحتمى على الفلسطينيين البحث عن أُطُر جديدة لجذب المزيد من الدعم الاستراتيجى لهم فى سعيهم لاستعادة حقوقهم فى فلسطين. وإنقاذ القضية الفلسطينية من تنامى علاقة التعاون الاستراتيجى بين معظم الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، أصبح الآن من مسئولية الشعب الفلسطينى بعد أن تبرعت القيادة الفلسطينية بالتنازل التاريخى عن معظم فلسطين لصالح إسرائيل فى اتفاقات أوسلو وهو أمرٌ كان دائما خارج نطاق تفويض وصلاحيات أى قيادة فلسطينية مهما كانت. وسعى الشعب الفلسطينى لتغيير هذا الواقع المرير عربيا وفلسطينيا قد يكون ممكنا إما من خلال تخفيض سقف توقعاتهم، أو من خلال البحث عن وسائل جديدة لتحقيق أهدافهم وبوسائل تُعْتَبر مقبولة من قبل الآخرين وبشكل يسمح باستقطاب مزيد من الدعم للقضية الفلسطينية.
ويختتم الكاتب حديثه بأن حل الدولة الواحدة فى فلسطين باعتباره بديلا لحل الدولتين قد يكون الأكثر انسجاما مع المصالح الفلسطينية فى الفترة الحالية وضمن المعطيات السائدة ومعادلة القوة بين العرب والفلسطينيين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. إن إبراز الوجه العنصرى للاحتلال قد يكون هو الوسيلة الأهم للوصول إلى ذلك الهدف. وقد يكون فى المطالبة بحقوق المواطنة الناجزة والمساواة الكاملة فى الحقوق السياسية للفلسطينيين تحت الاحتلال من خلال حل الدولة الواحدة مدخلا لتحقيق ذلك. وحل الدولة الواحدة يهدف إلى تحويل حالة الاحتلال فى نظر العالم إلى حالة متفاقمة من التمييز العنصرى ضد الفلسطينيين والتى لا يستطيع أحد فى العالم القبول بها بما فى ذلك أمريكا.
النص الأصلى