عقبة حوارة أمام شرم الشيخ
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 6 مارس 2023 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
بعد ساعات معدودات على اللقاء الأمنى الذى جمع الفلسطينيين والإسرائيلين فى مدينة العقبة الأردنية الأحد 26 فبراير الماضى، والاتفاق على عدد من البنود لوقف التصعيد فى الأراضى الفلسطينية، تفجر الوضع مجددا لنتأكد من مقولة «الطبع يغلب التطبع»، فقد عهدنا من الإسرائيليين، حكاما ومحكومين، التنصل من الاتفاقات، والمضى قدما فى تنفيذ أجندة تحكمها عقيدة دائمة عنوانها: محو كل فلسطينى من الوجود.
حالة التفاؤل التى أحاطت بلقاء العقبة الأمنى الذى حضره مسئولون من الولايات المتحدة و الأردن ومصر، تبخرت على وقع اقتحام مئات المستوطنيين الإسرائيليين لبلدة حوارة التابعة لمحافظة نابلس فى الضفة الغربية، بتحريض وزراء فى الحكومة الإسرائيلية، قبل أن يقتلوا فلسطينيا ويصيبوا المئات فى اعتداء وحشى تخلله إشعال النيران فى عشرات المنازل والسيارات المملوكة لفلسطينيين.
إحراق حوارة بنيران الحقد الإسرائيلى تم بعلم مسبق من جيش الاحتلال، وفقا لصحيفة «يسرائيل هيوم» التى قالت إن جهاز الأمن فشل فى منع الهجوم فى الوقت الذى كان واضحا فيه أن المستوطنين يجهزون لاعتداءات واسعة فى حوارة، انتقاما لمقتل مستوطنين اثنين، وسط حملة تحريض على «السوشيال ميديا» حيث كتب دافيد بن تسيون، أحد غلاة المستوطنيين على «تويتر» إنه «يجب محو قرية حوارة اليوم»، وهى التغريدة التى حظيت بإعجاب من وزير المالية الإسرائيلى بتسلئيل سموتريتش وزميله المتطرف إيتمار بن غفير وزير الأمن القومى.
وعلى الرغم من تراجعه، تحت ضغوط أوروبية وأمريكية، عن تصريحات دعا فيها إلى محو حوارة من الوجود، معتبرا أنها «زلة لسان» رفض سموتريتش، اعتبار ما حدث من المستوطنين واقتحامهم حوارة وإضرامهم النار فى منازل وسيارات الفلسطينيين «إرهابا»، وقال إن حديثه عن ضرورة قيام دولة إسرائيل بمحو حوارة خرج وسط «جيشان المشاعر»، فهل هو حقا مجرد جيشان مشاعر؟! لعل التاريخ الدموى الإسرائيلى خير مكذب.
ولأن الإرهاب الصهيونى صناعة رسمية إسرائيلية، كان طبيعيا أن تطلق الأجهزة الأمنية سراح عشرة مستوطنين جرى توقيفهم من بين 300 مستوطن شاركوا فى إحراق حوارة، حيث زعمت الشرطة الإسرائيلية أنها لم تعثر على أدلة تدين المستوطنين(!!) متجاهلة البيوت والسيارات المحترقة وما وثقته الكاميرات، بل إن الوزير المتطرف بن غفير هاجم بشده إصدار وزير الدفاع أمرا باعتقال مستوطنيين اثنين إداريا، واتهمه بالمساس «بالروح المعنوية للمناضلين المدافعين عن إسرائيل»!
جريمة إحراق حوارة، تلقى بظلالها الآن على مصير اجتماع أمنى ثان للفلسطينيين والإسرائيليين مقرر عقده فى شرم الشيخ خلال شهر مارس الجارى، خاصة أن الإسرائيليين ضربوا عرض الحائط بمخرجات لقاء العقبة، فلا وقف للتصعيد فى الأراضى المحتلة ولا تجميد للاستيطان، لأن «ما تم فى الأردن سيبقى فى الأردن» حسب تصريحات المسئولين الإسرائيليين، وبينهم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، الذى تتمسك حكومته ببناء المزيد من الوحدات الاستيطانية، واقتحام البلدات الفلسطينية.
وحسب تصريحات لأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حسين الشيخ، الذى ترأس الوفد الفلسطينى فى لقاء العقبة، فإن الحضور الفلسطينى للاجتماع الثانى فى شرم الشيخ ليس مضمونا، مطالبا الأمريكيين بإجراءات ضد إسرائيل قبل «أن يذهب الفلسطينيون إلى شرم الشيخ». وقال إنه قدم للإسرائيليين قائمة من 13 إجراء أحادى الجانب طالبت السلطة الفلسطينية بوقفها، مثل شرعنة الاستيطان، وعنف المستوطنين والانتهاكات للوضع الراهن فى الحرم القدسى.
المسئول الفلسطينى الذى قال إن القيادة الفلسطينية لا تثق بإسرائيل نهائيا، لم يوضح ما إذا كان يثق فى الأمريكيين الذين ينخرطون الآن فى المفاوضات بشكل مباشر، ليس حبا فى الفلسطينيين ولكن خشية الفوضى التى يمكن أن تتولد عن استمرار التصعيد الإسرائيلى، واستمرار شرعنة الاستيطان والتحريض على قتل الفلسطينيين برصاص المستوطنين فى حوارة وغيرها برعاية حكومية!
الواقع دائما ما يكذب التمنيات، ويجلى الأوهام، فلا إسرائيل تريد وقفا للتصعيد، ولا واشنطن تسعى لإنصاف الفلسطينيين، ولكنها حلقة مفرغة سيدور فيها الفلسطينيون فى ظل «السلام الإبراهيمى» المزعوم.