قمة العشرين المتغيرة ..وأوباما غير المتغير

سعد محيو
سعد محيو

آخر تحديث: الإثنين 6 أبريل 2009 - 9:44 ص بتوقيت القاهرة

 التأم شمل قادة «مجموعة العشرين الكبار» فى لندن للمرة الثانية خلال أربعة أشهر، لكن شمل الاتفاق حول طبيعة الحلول للأزمة الاقتصادية العالمية لمّا يلتئم بعد.
صحيح أن القادة، الذين تنتج بلدانهم 85% من سلع العالم، خرجوا بقرارات تتعهد بتجنب الحمائية، والتعاون لمنع انهيار الاقتصاد العالمى، وإعادة تنظيم هيكليته المالية، إلا أن ذلك كان أشبه بوصف حبوب مسكنة لمريض يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة.

فالأزمة، كما بات يعترف الجميع، أعمق بكثير من مجرد «أصول سامة»، أو قروض فاسدة، أو تنظيمات مالية غير كافية، فى قطاعات العقار والتأمين والمؤسسات المالية. إنها أولا وأساسا معضلة العالم مع زعيمة العالم: أمريكا.

فالقوة العظمى التى كانت قبل 30 سنة فقط الأعتى فى التاريخ من حيث الإمكانات الاقتصادية والعسكرية، باتت الآن عبئا على هذا التاريخ بعد أن تحوّلت من طبيب العالم إلى مريضه؛ ومن الدائن الأول إلى المدين الأول؛ ومن المنتج الأول إلى المستهلك الأول.

أمريكا الآن لم تعد قادرة على مواصلة الإنفاق على استهلاكها النهم إلا عبر الديون، خاصة تلك التى تأتيها على شكل سندات خزينة أو احتياط أرصدة الدولار من الصين ومجلس التعاون الخليجى ودول اقتصادات التصدير. لكن، لكى تستطيع جذب هذه الأموال عليها أن تعتمد على «السياسة» لا على الاقتصاد: أى على تثبيت دورها كزعيمة العالم وشرطيّه وحافظ أمنه ونظامه، وكذلك بالطبع على الدولار كعملة احتياط دولية رئيسة.

لكن، إذا ما استمر تآكل هيبة الزعامة السياسية الأمريكية (وهذا ما حدث فى عهد بوش)، وتراجعت قدرتها على فرض الأمن العالمى (وهو ما حدث فى 11 سبتمبر ثم فى العراق وأفغانستان وإيران)، وتفاقمت المخاوف من انهيار الدولار (كما أفصح عن ذلك أخيرا رئيس الوزراء الصينى) فإن هذا سيؤذن بانقلابات كبرى فى هيكلية النظام العالمى.

فرئيس الاحتياط الفيدرالى الأميركى بن بيرنانكى أكد هذا التحليل للأزمة، حين أبلغ «مجلس العلاقات الخارجية» الأمريكى بأنه «من المستحيل فهم المشكلة الكبرى الحالية من دون الإشارة إلى اللا توازنات العالمية الراهنة فى مجالى التجارة وتدفق الرساميل الذى بدأ فى النصف الثانى من تسعينيات القرن العشرين».
وما الحل إذن لهذه اللا توازنات؟

ليس عبر إعادة ترتيب البيت الأمريكى، بل عبر مبادرة البيت العالمى إلى دعم البيت الأمريكى. وهذا ما عبّر عنه بيرنانكى بقوله: «إننا، بشكل جماعى، لم نقم بما فيه الكفاية لإصلاح الخلل فى هذا اللا توازن». كما أن هذا ما أفصح عنه الكاتبان الأمريكىان ديفيد إجناشيوس وجيم هوغلاند حين شددا على أن «هذه الأزمة عالمية، وبالتالى، يجب أن يكون الحل عالميا».

وهذا يعنى، بكلمات أوضح، أن ثمة توجها أمريكيا قويا لمحاولة تصدير الأزمة إلى الخارج بدل العمل على إحداث ثورة «تغيير» فى الداخل، كما وعد المرشح ثم الرئيس أوباما. وهذا يمكن أن يتم إما بلى أذرع الدول الكبرى الأخرى عبر السياسات الحمائية أو الحروب التجارية، أو حتى من خلال حروب عسكرية كبيرة أخرى.

بالطبع، أمريكا والعالم لم يصلا بعد إلى هذه المرحلة. وقادة مجموعة العشرين، كانوا حريصين على رفض الوصول إلى هذه المرحلة بسبب تشابك مصالحهم فى إطار العولمة. لكن الخطر حقيقى وقائم، وهو يمكن أن ينفجر فى أى لحظة إذا ما باتت أمريكا مهددة بالانفجار من الداخل، بفعل التمزقات الاجتماعية العنيفة التى بدأت تحدثها الأزمة الاقتصادية الراهنة.

السباق العظيم بدأ بالفعل مع الانفجار العظيم. وهذا، على الأرجح، ما سيتلمسه بوضوح أوباما خلال جولته الأوروبية الحالية.

لكن مهلا. ألن يكون فى مقدور الرئيس الأميركى الجديد إبرام صفقات جديدة بين أمريكا والعالم، خاصة أنه حظى لدى انتخابه بتصفيق حماسى من هذا العالم؟

ربما سيكون الأمر على هذا النحو، لو أن أوباما خلال الشهرين الماضيين من عهده أثبت أنه سيشق حقا نهجا جديدا فى السياسة الخارجية الأمريكية. لكن المحصلات لم تأت على قدر التوقعات. وما حصل حقق «النبوءة» الشهيرة لكندوليزا رايس بأن الرئيس الجديد (أوباما) سيجد نفسه مضطرا لأن يحذو حذو الرئيس القديم (بوش) فى معظم أو حتى فى كل مناحى السياسة الخارجية الأمريكية، عدا فى الشكل.

فأوباما يقتفى الآن أثر بوش فى العراق، من حيث تمديد «إقامة» القوات الأمريكية بالتدريج. وهو قرر تصعيد حرب بوش الأخرى فى أفغانستان، ليس فقط بزيادة عدد القوات الأمريكية هناك، كما طالب جنرالاته، بل أيضا بتهديده نقل الحرب إلى داخل دولة نووية تترنح على شفير السقوط كباكستان.

وفى فلسطين، لايزال الشعب هناك منهمكا بأكل الوعود الأوبامية حول إنقاذ خيار الدولتين، فيما تواصل إسرائيل التهام ما تبقى من أراضٍ خصبة ومصادر مياه فى الضفة الغربية.

أما حيال إيران، وعلى رغم أغنية الغزل التى أطنب بها أوباما بعض الآذان فى طهران وخارجها، إلا أن كلماتها لم تتحوّل بعد إلى لحن مادى ملموس. لا، بل عمد وزير الدفاع الأمريكى جيتس إلى إعادة صب الزيت القديم على النار الإيرانية حين قال قبل أيام: إن «العقوبات على إيران أشد مضاء ومنفعة من المفاوضات».

هذا فى الشرق الأوسط. أما فى بقية أنحاء العالم، فالسحر الشخصى الأوبامى فى العالم بدأ يتبدد على وقع الأزمة الاقتصادية العالمية الطاحنة، والتى يتهم الحلفاء والأصدقاء والخصوم على حد سواء أمريكا بالتسبب بها، ثم بمحاولة جعل الآخرين يدفعون أثمانها.

ولذا، لن يكون القادة الدوليون فى وارد الاستماع إلى أى محاضرات أو إملاءات اقتصادية أو حتى سياسية من أوباما، كما كانوا يفعلون، وإن على مضض، مع باقى الرؤساء بمن فيهم حتى بوش.

فالصين بدأت تتمرد على الدولار وتطالب بالمشاركة فى قيادة سفينة صندوق النقد الدولى. وكذا تفعل الهند. أما أوروبا (عدا بريطانيا)، فإلى جانب رفضها مشاريع الإنعاش الاقتصادى على النمط الأمريكى، تجد الفرصة أكثر من سانحة لإعلان التمرد العام على الرأسمالية الأنجلوساكسونية فى طبعتها الليبرالية المتطرفة، ولبثت الروح مجددا فى الرأسمالية «الاجتماعية» الأوروبية كنموذج اقتصادى بديل.
ومن أيضا؟

هناك روسيا، التى لاتزال تسمع كلمات جميلة من أوباما حول مسألة الردع الصاروخى فى أوروبا الشرقية، واحترام الاتفاقات والمواثيق السابقة، وإعادة ترميم العلاقات بين البلدين على أسس الاحترام المتبادل. لكن موسكو لن تبتلع هذه الأقوال، إلى حين تراها بأم العين وقد تحوّلت إلى أفعال.

بالطبع، يمتلك أوباما ورقة مهمة للغاية، هى احتمال إطلاق مبادرة تاريخية لبدء نزع الأسلحة النووية، إما خلال حضوره القمة الأوروبية أو القمة الأطلسية. وعلى رغم من أن هذه الخطوة قد تقلب الكثير من مفاهيم الأمن الدولى ومعاييره، فإنها ستبقى محفوفة بالكثير من الشكوك (خاصة من جانب موسكو وطهران) إلى أن يثبت العكس.
ماذا تعنى كل هذه التطورات؟

أمرا واحدا: رايس لم تكن تطبق بالهوى حين قالت إن أوباما ملزم بالسير على خطى بوش، بل عن معرفة تامة بطبيعة القوى الحقيقية التى تمسك بتلابيب القرار الأميركى.

وأوباما تلمّس سريعا هذه القوى، وبدأ يخضع لجبروتها سريعا أيضا!.




هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved