من قالوا «لا» فى وجه من قالوا «نعم»
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
السبت 6 أبريل 2019 - 11:30 م
بتوقيت القاهرة
خلد التاريخ الرافضين، حجز بين سطوره مكانا متميزا لمن قالوا «لا»، أضفى عليهم القداسة، وجعل من قصص تمردهم أنشودة تتغنى بها الأجيال وتستلهم منها العزم، أما ملايين الملايين ممن اختاروا الحياة فى الظل واعتادوا أن يقولوا «نعم» لكل من يطلبها أو يفرضها عليهم، فسقطوا فى القاع لم ولن يذكرهم أحدهم.
ظلت سيرة «سبارتاكوس» الذى قاوم جبروت الإمبراطورية الرومانية ورفض الرق والعبودية باقية خالدة يستحضرها المقاومون الرافضون للخنوع، ويستدعيها المناضلون فى مواجهة الظلم والاستعباد واستغلال البشر.
استدعى الشاعر أمل دنقل سيرة محرر العبيد فى مطلع ستينيات القرن الماضى، وكتب قصيدته «كلمات سبارتاكوس الأخيرة» ليعبر بها عن رفضه للواقع السياسى والاجتماعى الذى أدى بنا فيما بعد إلى نكسة 1967.
تحولت القصيدة فيما بعد إلى وصايا يتناقلها المتمردون والثائرون، ويتغنى بها كل حالم بالحرية والكرامة.
«المجد للشيطان معبود الرياح.. من قال «لا» فى وجه من قالوا نعم.. من علم الإنسان تمزيق العدم..
من قال «لا».. فلم يمت.. وظل روحًا أبدية الألم».
أما من قالها من بشر فى وجه قياصرة الأرض، وأصر عليها وتمسك بها، فسجن وصلب وعلق على المشانق، فى المقابل حصل من قالوا «نعم» على الأمان، لكنهم اختاروا طوعا أن يعلقوا على مشانق الخنوع.
«معلق أنا على مشانق الصباح.. وجبهتى بالموت محنية.. لأننى لم أحنها حية.. يا إخوتى الذين يعبرونَ فى الميدانِ مطرقينْ.. منحدرين فى نهاية المساء.. فى شارع الاسكندر الأكبر: لا تخجلوا.. ولترفعوا عيونكم إلى.. لأنّكم معلقون جانبى.. على مشانق القيصر.. ولترفعوا عيونكم إلى.. لربّما.. إذا التقت عيونكم بالموت فى عينى: يبتسم الفناء داخلى.. لأنّكم رفعتم رأسكمْ.. مرّةْ !.. فلترفعوا عيونكم للثائر المشنوق.. فسوف تنتهون مثله.. غدا.. وقبّلوا زوجاتكم.. هنا.. على قارعة الطريق.. فسوف تنتهون ها هنا.. غدا.. فالانحناء مرّ».
ومن التراث العربى، بقى الحسين بن على مثالا للرفض، وإماما لمن قالوا «لا»، وظل مشهد استشهاده فى سبيل تمسكه برفض مبايعة يزيد بن معاوية نموذجا للتضحية.
الكاتب عبدالرحمن الشرقاوى قدم فى مسرحيته الخالدة «ثأر الله» بجزءيها «الحسين ثائرا» و«الحسين شهيدا»، إمام الشهداء، عنوانا للمقاومة، والثورة ضد الطغيان والظلم، ونموذجا للتضحية والفداء.
صور الشرقاوى الحسين فى المسرحية التى كتبها بعد هزيمة 1967، بطلا يرفض المساومة بالرغم من تأكده من مصيره، يقول ما يعتقد أنه صحيح، ويُكافح من أجل مّا يرى أنه حق، حتى لو تبيّن له أن الموت ينتظره فى النهاية.
طلب من الحسين مبايعة يزيد بن معاوية خليفة للمسلمين، «نحن لا نطلب إلا كلمة.. فلتقل بايعت... واذهب بسلام لجموع الفقراء.. فلتقلها واذهب يا ابن رسول الله حقنا للدماء.. فلتقلها ما أيسرها، إن هى إلا كلمة»، ليرد الحسين بكلمات الشرقاوى «كبرت كلمة... وهل البيعة إلا كلمة... ما دين المرء سوى كلمة.. ما شرف الرجل سوى كلمة... ما شرف الله سوى كلمة... أتعرف ما معنى الكلمة؟. مفتاح الجنة فى كلمة... دخول النار على كلمة.. وقضاء الله هو كلمة... الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور».
دفع الحسين حياته ثمنا لكلمة «لا« رفض الخنوع والخضوع والسكوت «فإذا سكتم بعد ذاك على الخديعةِ وارتضى الإنسانُ ذلَّهْ.. فأنا سأُذبحُ منْ جديدْ.. وأظلُّ أُقتلُ منْ جديدْ.. وأظلُّ أُقتلُ ألف قتلةْ.. سأظلُّ أُقتلُ كلما سكتَ الغيورُ.. وكلما أغْفى الصبورْ.. سأظلُّ أُقتلُ كلما رغِمتْ أنوفٌ فى المذلَّةْ».
المجد والخلود لمن قالوا «لا».