حملات تشويه الذاكرة والهوية والالتزامات
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 6 أبريل 2022 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
ما نوع الشباب والشابات الذين يراد لهم أن يتواجدوا فى بلدان خليج العرب مستقبلا؟ تتبع ما يكتبه وينطق به بعض ناطقى وممثلى شتى سلطات المال والوجاهة فى هذه الدول يقود إلى الصورة التالية المطلوبة بإلحاح كما يظهر من قبل تلك السلطات:
فأولا: مطلوب شابات وشباب يكفرون بهويتهم العروبية أو غير واعين بوجودها ـ فيكتفون من لغتهم العربية بلهجات عامية لا تربطهم بتاريخ، ولا بأدب وشعر، ولا بفكر عربى ذاتى نهضوى، ولا بوسط ثقافى رفيع المستوى، ولا بتراث دينى مستنير يسمو بأرواحهم، ويكتفون من التزاماتهم الوطنية والقومية بالولاءات الفرعية الطائفية أو القبلية أو الشعارات الطفولية الممجدة ببغاويا لأقوال من مثل «بلادى الفلانية أولا».
أما على الصعيد السلوكى فالمطلوب أن لا يكون سلوكهم اليومى أو اهتماماتهم العاطفية مرتبطين بالسياسة. يكفى أن يكونوا من مشجعى فريق كرة قدم ومن المتعلقين بأحد أبطالها بجنون وتعلق أهوج. ويكفى أن يمارسوا ثقافة الاستهلاك النهم للغذاء واللباس وشتى أنواع التسلية، حتى يشعروا بالاطمئنان إلى أنهم جزء من حضارة العصر وصرعاتها.
وثانيا: أن يتخلصوا من التزامهم القومى بالموضوع الفلسطينى بعد أن تبين لبعض المسئولين العرب أن الكيان الصهيونى هو واحة سلام ومصدر تقدم علمى وتكنولوجى متميز وصانع لأسلحة لا مثيل لها، وبالتالى فهو يسبق أمة العرب بقرون من الحضارة. أما أن ذلك الكيان قد استحوذ على تسعين فى المائة من أرض فلسطين التاريخية وشرد سبعة ملايين من إخوانهم الفلسطينيين، ويوميا يقتل ويسجن ويهدم البيوت ويدنس مقدسات المسلمين والمسيحيين، وأن قادته يجاهرون باحتقار أمة العرب فهذا غير مهم، فالمهم هى الاستثمارات الصهيونية التى ستنعش الحياة والسياحة والبذخ اللاأخلاقى فى بلاد العرب، وستخلق الوظائف، وستنقل العلم والتكنولوجيا إلى العرب المتخلفين.
ومن أجل بناء ونشر تلك الثقافة وتلك السلوكيات، وتسهيل عملية التجنيس لإضعاف الهوية العروبية فى بلدان الخليج العربى، وجعل المجتمع المدنى غير فاعل ومنشغل بالتفاهات من الأمور، تتضافر جهود مشتركة من بعض الجهات الرسمية، ومرتزقة بعض الوسائل الإعلامية، والمرتشين المرتبطين بالاستخبارات، ومجموعات وسائل التواصل الاجتماعى المجيشة والمدربة فى الكيان الصهيونى، تقوم كل تلك الجهات، بتناغم وتعاضد، بحملات شتم وكذب وتشويه سمعة كل من يرفعون فكر وشعارات القومية العروبية الجامعة.
إنها حملات مركزة تهدف إلى خلق جيل بلا هوية عروبية جامعة، وبلا قناعات بضرورة إيمانهم بالتزامات وطنية وقومية تجاه أمتهم، وبلا أهداف حياتية وقيمية أخلاقية يناضلون من أجلها، وبلا مشاركة فى الحياة السياسية وفى النضالات الإنسانية. المهم هو أن يكونوا جزءا من ماكنة الإنتاج الاقتصادى بكفاءة وبلا تأفف وبلا مطالب عمالية عادلة وبلا مواطنية منتمية.
إنها صورة حزينة بائسة لما يمكن أن يكون عليه المستقبل فى هذا الجزء من الوطن العربى. ولا نعرف إن كان حكام دول الخليج العربى يدركون بأن أحفادهم سيحكمون شركات وتجمعات عمل، إذ لن توجد آنذاك مجتمعات ولا أوطان بهوية وقيم والتزامات يريد لها البعض أن تدفن فى مقابر التاريخ.