الوحدات الصحية.. مشروع لعودة الروح
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 6 مايو 2022 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
إثر الحديث عن الوحدات الصحية فى الريف تلقيتُ رسالتين ومكالمة تليفونية من زملاء مهنة يعلِّقون على ما كُتب. أسعدنى الاهتمام والمشاركة لكن الأمر المدهش أن رد الفعل جاء من ثلاثة زملاء تجمعنى بهم النشأة فى مدينة المنصورة والدراسة فى طب المنصورة، والاهتمام بالعمل العام، رغم أن أحدهم يقيم فى الولايات المتحدة والآخر فى الكويت أما الثالث فبقى فى المنصورة مع عائلته.
رغم اختلاف تجاربنا الشخصية وتباين أماكن معيشتنا وتقاطع أو توازى أفكارنا على مر سنوات طويلة مضت بكل منا فى طريق إلا أنه فيما يبدو أننا قد احتفظنا بجذوة متقدة تحت الرماد تشير بوضوح إلى مدى ارتباطنا بتلك البدايات التى تشاركنا فيها: طلبة فى كلية طب المنصورة، ثم أطباء حديثو التخرج منها بعد سنة الامتياز، وقد كان أن بدأنا نحن الأربعة وعن قناعة ورضا فى العمل فى وحدات صحية كبداية لفترة تتراوح بين السنة والسنتين، انتقل بعدها كل منا إلى التخصص الذى اختاره والطريق الذى عزم على المضى فيه.
مياه كثيرة مرت تحت الجسر الذى افترقنا عنده ثم عدنا لنلتقى عليه اليوم، لكن الغريب فى الأمر أن هناك تشابها كبيرا فى أفكارنا لم تغيره الحياة فى الغرب ولم تطاله رياح الخليج، بل ظل الهوى مصريا خالصا يعلن عن نفسه بوضوح.
اجتمعنا نحن الأربعة على أن فكرة إنشاء الوحدات الصحية فى الريف كانت بالفعل فكرة تحقق عدالة واجبة فى الحقوق الصحية للإنسان المصرى، وأنها بديل حقيقى لفكرة التأمين الصحى فى الريف، لذلك الذى يحقق للإنسان أمنا صحيا فى المدن الكبرى التى تضم المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة.
إنها أيضا ترسى قواعد مهمة للرعاية الصحية كنشر الوعى الصحى لطرق الوقاية من الأمراض، ومعرفة أسس التغذية السليمة للأطفال، وقواعد النظافة العامة، كما أنها بلا شك قد حققت نجاحا فى التوعية بمعنى ومفهوم تنظيم النسل، إلى جانب الخدمات الطبية وربما بعض الجراحات الصغيرة والقيام بالولادات التى قد يصعب على «داية القرية» القيام بها.
تذكرنا تجاربنا لتحسين الأداء وذكرنا الاستجابة العظيمة التى جاءتنا من الأهالى، وأن تذكرة طبية ثمنها ثلاثة قروش وقتها كانت تتيح كشفا طبيا ودواء لا يتوافر إلا فى الوحدة الصحية.
تبادلنا الحديث عن محاولات التطوير المستمرة التى كنا نسعى إليها مع المستويات الطبية الأعلى، ما نجحنا فيه وما وقف عقبة فى الطريق.
ذكرنا أيضا الأخطاء ومظاهر التقصير ومحاولات العاملين بالوحدة من الموظفين من استغلال النفوذ والحصول على مكاسب صغيرة.
جاء الحديث بالفعل ذا شجون. لم يبدِ أحد منا ندما على العمل فى الوحدات الصحية بل تبادلنا ذكريات بالفعل لها أثر عزيز فى نفوسنا الأربعة بلا استثناء. فما زلنا نؤمن أن الوحدة الصحية فى الريف فكرة عظيمة مضمونة النجاح إذا ما توافرت لها إدارات حكيمة ورغبة حقيقية فى دعم الغرض منها. اجتمعنا على الرأى أنها بالفعل أفضل نظام لتدبير الرعاية الصحية الأساسية للإنسان المصرى فى الريف الذى يضطر للسفر إلى المدينة بحثا عن مستشفى مركزى ربما سبقه إليه عشرات من أهل المدينة.
إعادة تأهيل الوحدات الصحية فى الريف بالفعل مطلب قومى نرشحه عن جدارة ليصبح على رأس قائمة المشروعات التى تعتزم الدولة أن تنشئها تحت مسمى «حياة كريمة».
لا حياة كريمة بلا خدمة صحية أساسية فى الريف وإعادة الروح للوحدات الصحية ودعمها بالأدوات والإمكانيات اللازمة هدف يجب أن يسبق كل الأهداف فى الأهمية.
إعادة النظر فى خريطة الوحدات الصحية فى الريف: تأهيل الباقى منها والتوسع فى إنشاء الجديد بصورة حديثة تجعلها مؤهلة لتشخيص الأمراض المبدئى بتوافر معمل صغير ووسائل تشخيص أساسية مع إلزام كل الأطباء بلا استثناء بالعمل فيها لمدة محددة كشرط أساسى للقبول بوظائف أخرى أكثر تخصصا. أو الإعفاء من الخدمة العسكرية مقابل العمل فى الوحدات الصحية لذات مدة الخدمة. كلها اقتراحات يجب دراستها بجدية.
التفكير فى إنشاء هيئة يومية مستقلة تضم أصحاب رؤية من وزارات الصحة والتضامن الاجتماعى والمالية والعدل والإسكان إلى جانب مجتمع مدنى قوى محيط بأهمية المشروع ــ أمر أصبح فرض عين على الحكومة، فليس هناك من «يكفى» مكانها.