الركض وراء المبانى

عمرو خفاجى
عمرو خفاجى

آخر تحديث: الخميس 6 يونيو 2013 - 11:01 ص بتوقيت القاهرة

جزء أصيل من أزمة الكهرباء والماء التى نواجهها هذه الأيام، من صنع المواطن نفسه، الذى خرج قاطعا للطرق غاضبا من كل مسئول، لاعنا الحالة التى وصلت إليها الخدمات، دون أن يفكر ولو للحظة واحدة أنه مشترك فى هذه المأساة، حينما وافق على الشراء والسكن فى عقار مخالف لقوانين الدولة ولشروط البناء.

 

صحيح أن الدولة هى المسئولة فى النهاية عن ذلك، لكن المواطن عليه أن يفهم أنه جزء من المشكلة، بل إن التصالح مع أصحاب العقارات المخالفة، جاء به المشرع لحماية مصالح هذا المواطن المسكين الذى تورط فى السكنى بالبناء المخالف، وأن أى مواطن اشترى أو استأجر وحدة سكنية فى عقار مخالف فهو قد تصدى للدولة قبل أن تنزل بالعقاب على مالك العقار المخالف.

 

لكننا نعود ونؤكد أن هناك من فى الدولة هو المسئول عن ذلك حينما ترك مالك العقار يرتفع بمخالفته أمام الجميع دون أن يتصدى للمشكلة من بدايتها، وهذا هو حال مئات الآلاف من العقارات فى مصر سواء كان هذا العقار فى أرقى أحياء العاصمة، أو على أطراف أصغر مدينة، وتكفى زيارة واحدة لمنطقة مدينة نصر، لنفهم حجم المخالفات.

 

فهذه المنطقة التى تزدحم بالأبراج العملاقة، كانت القوانين لا تسمح سوى ببناء أربعة طوابق، وفقا لتخطيط المنطقة، حيث تم تجهيز شبكات الخدمات (كهرباء وماء وصرف صحى) بما يتناسب مع عدد سكان المنطقة الذين كانوا سيشغلون طوابق بناياتها الأربعة، وبالتالى حينما تتضاعف أعداد السكان بتضاعف بناء الوحدات السكنية، يكون من المنطقى أن تنهار الخدمات فى مثل هذا المناطق.

 

حينما سألت قبل أيام أحد المسئولين السابقين عن السبب الحقيقى لانهيار الخدمات، قال إن ما يحدث الآن معجزة بكل المقاييس، فالشبكات التى تم إعدادها للعمل فى معظم مناطق الجمهورية، من المفترض أنها توفى بما لا يزيد على ٣٠٪ من الوضع الحالى، وأن كل مواطن تصله الكهرباء والماء عليه أن يحمد الله، وإنه يتمنى ألّا تغرق الشوارع من جديد بمياه الصرف الصحى.

 

لكنه فى ذات الوقت قال إن هذه المعجزة لا يمكن أن تستمر كثيرا، ويجب على الدولة مواجهة المشكلة بجدية، وأن الجدية تقتضى، أن تكون الدولة حاسمة فى قصة عدم السماح بالعقارات المخالفة، وأن الإزالة والغرامات الضخمة، ومن بعدهما الحبس، السبيل إلى ذلك، إلى جانب حملات توعية للمواطنين بعدم شراء أو استئجار أية وحدات سكنية فى عقارات مخالفة، وأن التوقيت الآن مناسب جدا لأننا لا نعانى فعلا من أزمة سكن، وأن المعروض ــ من وجهة نظره ــ سيظل أكثر من المطلوب لمدة عشر سنوات على الأقل حتى فى ظل النسب المنخفضة لبناء عمارات سكنية جديدة.

 

وقال لى أستاذ كبير فى الهندسة، وخبير مياه، إن المشكلة ببساطة إننا نسير عكس الاتجاه وضد المنطق، وعلى خلاف القواعد، فالأصل أن الأراضى والمناطق الجديدة يتم ترفيقها أولا، أى أن يتم تجهيزها بالمرافق ثم يتم بناء المساكن، أما ما يحدث الآن فى مصر فهو أمر فى غاية الغرابة والقسوة، فالحاصل أن الدولة هى التى تركض خلف المبانى من أجل ترفيقها، وساعتها تكون الأمور فى غاية الصعوبة، ولا يمكن أن يتم العمل بشكل جيد، وبالرغم من أن الدولة تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بالركض وراء المبانى، إلا أن هذا لا يمنع من سب الحكومة ولعنها، على اعتبار أنها تركتنا من دون ماء ولا كهرباء..

 

فعلا حكومة ظالمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved