مصر لن تتحزم بحزام ناسف أو راقص
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
السبت 6 يونيو 2015 - 9:53 ص
بتوقيت القاهرة
إن الله قد يمنع الحكومة من العلماء الربانيين العابدين الزاهدين.. ولكن الحكومة لا تستطيع منع الله عن العلماء والدعاة إن حادوا عن الشريعة أو حرفوا أو غيروا أو بدلوا فيها
دعيت من قبل فضيلة الإمام الأكبر د/ أحمد الطيب الزاهد والصوفى بحق مع علماء أفذاذ أعتبرهم جميعا أساتذتى وشيوخى.. وجمع من المفكرين والمثقفين لوضع وثيقة لتجديد الخطاب الدينى.
وقد جاءت الدعوة فى وقت عصيب تمر به مصر.. حيث يريد البعض أن يجر شباب مصر لكى يتحزم بحزام ناسف أو يحشو عقله بحزام تكفيرى مدمر.. كما يريد آخرون منها أن تتحزم بحزام التحلل من الشريعة والتعرى من الفضيلة والرقص على أنغام الشهوات والشبهات.
وأرى أن مصر لن تكون إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.. وأنها لن تكون تكفيرية ولا ماجنة.. ولا متطرفة دينيا ولا متسيبة أخلاقيا.. ولن تقدم الراقصة أو التى تأكل بثدييها على العلماء والحكماء والأدباء والمفكرين وأساتذة الجامعات.. مهما ملأ الرقص والتبذل والفساد الأخلاقى والمالى شاشات القنوات وميادين الحياة.
وقد قدمت ورقة مختصرة لرؤيتى المتواضعة لتجديد الخطاب الدينى.. بحيث يصدر الخطاب من القلب إلى القلوب.. ومن نفوس زاهدة فى الدنيا ومترفعة عن متاعها ومنكسرة لربها.. وهذه النفوس التى يناط بها التجديد المطلوب ينبغى أن تكون جامعة ومتفهمة لرخص ابن عباس وعزمات ابن عمر واجتهادات وقياسات أبى حنيفة وأصولية الشافعى وأثرية أحمد بن حنبل وظاهرية ابن حزم ومقاصدية الشاطبى وفلسفة حجة الإسلام أبى حامد الغزالى وصوفية إبراهيم بن أدهم وموسوعية السيوطى فى تناغم لا تنافر.. ومحبة لا تباغض.. واجتماع على الأصول لا تفرق على الفروع.. وتقديم لفرض العين على الكفاية.. وللفرض على السنة والمندوب.. ولعمل القلب على الجوارح.. وإصلاح الباطن على إصلاح الظاهر.. ومصالح الأوطان على مصالح الجماعات.
إن أولى المسؤوليات فى تجديد الخطاب الدينى هو إحياء أنواع كثيرة من الفقه مثل «فقه المقاصد» و «فقه المآلات» و«فقه المراجعات» و«فقه الأولويات».
ويعد «فقه الأولويات» من أهم أنواع الفقه الذى غاب عن الأمة قديما وحديثا.. فقديما جاء أهل العراق يسألون ابن عمر عن حكم دم البرغوث فاغتاظ منهم ووبخهم بقوله «تقتلون ابن بنت رسول الله وتسألون عن حكم دم البرغوث».
واليوم يتكرر الأمر، فمن أجل عودة د. مرسى إلى الحكم ضيعت الحركة الإسلامية المصرية كل شىء.. ضاعت الجماعة والحزب وكل الأحزاب الإسلامية.. وسجن عشرات الآلاف من أجل عودة الشرعية.
لقد ضيعنا الشريعة وشبابها ودعاتها وحماتها وأحزابها وجماعاتها ونحن نبحث عن الشرعية.. فلا الشرعية عادت ولا الشريعة بقيت ولا الدماء حقنت ولا الشباب المتدين عاش حرا كريما.. أردنا شيئا فضيعنا من أجله كل شىء.. رغم أن القاصى والدانى كان يعلم أن الزمان وكراسيه لا تعود القهقرى أبدا.
والشريعة التى ضيعناها أغلى من الشرعية التى طلبناها ولم نستطع إعادتها.. فالحفاظ على الدماء والأوطان والشريعة أغلى من كل كراسى الدنيا.
وقد أدى الصراع السياسى الخطير الذى نشأ بين دولة 30 يونيو وبين الإخوان وحلفائهم إلى انشغال كل الدعاة فى هذا الصراع وبروز طائفة تريد التحلل من الشريعة.. وتريد التبديد تحت دعوى التجديد.
ولذلك فإننا نحتاج خطابا دعويا وإسلاميا «يجدد ولا يبدد».. لا يفرغ الإسلام من محتواه الأصلى ولا يقدس أيضا اجتهادات العلماء السابقين ولا يبخسها فى الوقت نفسه.. فالدين يضيع بين «جامد وجاحد».. فالجامد ينفر الناس بجموده.. والجاحد يضل الناس عن الدين بجحوده.. وإذا لم يجدد الثقات من العلماء الأثبات خطاب الدعوة فإن الخطاب والدين والدعوة قد تضيع.. فمن لم يتقدم يتقادم.. ومن لم يتطور سيموت.
لقد أعجبنى مهاتير محمد الصانع الحقيقى لنهضة ماليزيا لقوله «إن مشكلة بعض الحركات الإسلامية السياسية أنها تفسر القرآن تفسيرا يقربها من السلطة أكثر مما يقربها إلى الله».
وفى المقابل هناك دعاة فى بعض المؤسسات الرسمية الدينية فى كل البلاد يدورون حول الحكومات المتعاقبة أكثر من دورانهم حول الشريعة ودفاعهم عنها.
إننا نريد خطابا دينيا يدور حول الشريعة حيث دارت.. وحول الإسلام أينما حل وارتحل.. لا يقدس الحاكم ولا يبخسه.. ولا يدور حوله ولا يجافيه أو يعاديه.. فبعض الدعاة والعلماء يريد أن يذيب الشريعة فى شخوص الحكام.. وبعضهم الآخر يريد أن تسير الشريعة خلفه فى معاداة ومخاصمة كل الحكام.. والشريعة أكبر وأجل وأعظم من هؤلاء وهؤلاء.
إن الله قد يمنع الحكومة من العلماء الربانيين العابدين الزاهدين.. ولكن الحكومة لا تستطيع منع الله عن العلماء والدعاة إن حادوا عن الشريعة أو حرفوا أو غيروا أو بدلوا فيها.