هل هزيمة 67 هي المسئولة عن الواقع العربي والفلسطيني الراهن؟!
قضايا إستراتيجية
آخر تحديث:
الثلاثاء 6 يونيو 2023 - 8:05 م
بتوقيت القاهرة
نشر مركز الحوار العربى فى واشنطن مقالا للكاتب صبحى غندور، يقول فيه إن سبب تدهور حال العرب الآن لا يرجع إلى النتائج السياسية لحرب 1967 بل إلى الحقبة السياسية بعد حرب 1973. بعبارة أخرى، كانت حرب 73 درسا قاسيا لأمريكا وإسرائيل، مما دفع الأولى إلى إعادة حساباتها فى المنطقة لضمان مصالحها معتمدة على فتح الأبواب العربية لحروب داخلية وحدودية... نعرض من المقال ما يلى.
رغم مرور 56 عاما على حرب 5 يونيو، مازال بعض العرب يُرجِع سلبيات أوضاعهم الراهنة إلى الهزيمة العسكرية التى حدثت فى العام 1967، بينما الأمر الصحيح هو أن الواقع العربى الراهن هو نتاج تدهور متسلسل تعيشه المنطقة العربية منذ العام 1978، عندما اختار الرئيس المصرى الراحل أنور السادات السير فى المشروع الأمريكى/الإسرائيلى الذى وضعه هنرى كيسنجر بعد حرب أكتوبر 1973.
• • •
إن مشروع كيسنجر مع مصر/السادات كان حلقة فى سلسلة مترابطة أولها إخراج مصر من دائرة الصراع مع إسرائيل، وآخرها تعطيل كل نتائج حرب عام 1973 الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وذلك من خلال إشعال الحروب العربية/العربية وتوريط أكثر من طرف عربى لسنوات عديدة فيها.
إن الحقبة السياسية بعد حرب 73 (وليست النتائج السياسية لحرب العام 1967) كانت بالنسبة للعرب هى الأخطر، لأنّها زرعت بذورا لكل ما يتم حصده الآن من ضعف عربى وصراعات أهلية.
لقد كانت حرب 1973 درسا لأمريكا وإسرائيل فى أن الهزيمة العسكرية الكبرى لمصر عبدالناصر عام 67، والقوّة الإسرائيلية الهائلة والمتفوقة فى المجالات كلها، والصداقة الخاصة مع بعض حكومات المنطقة.. هى عناصر لم تكن كافية لضمان المصالح الأمريكية فى المنطقة، ممّا دفع بأمريكا إلى إعادة حساباتها فى ظل إدارة هنرى كيسنجر للسياسة الأمريكية الخارجية.
فإذا بالمنطقة العربية تنتقل من حال النتائج الإيجابية لحرب 1973؛ بما فيها القيمة العسكرية لعبور قناة السويس، وتوحد الجبهتين المصرية والسورية فى تفاصيل الحرب، وقرار حظر النفط من دول حليفة لواشنطن، وظهور القوّة المالية والاقتصادية والسياسية للعرب آنذاك، ثمّ القرار الذى أعلنته الأمم المتحدة بمساواة الصهيونية بالعنصرية.. إذا بها تنتقل من هذه الإيجابيات الدولية، ومن حال التضامن العربى الفعّال.. إلى إشعال الحروب العربية/العربية، والحرب العراقية/الإيرانية، وتصاعد العدوان الإسرائيلى على لبنان والأراضى الفلسطينية المحتلة، وتعرض بيروت عام 1982 ــ كأول عاصمة عربية ــ للاحتلال الإسرائيلى، وإخراج قيادة وقوات منظّمة التحرير منها.
فكانت آثار تلك المرحلة ليست فى تعطيل دور مصر العربى فقط، بل بفتح الأبواب العربية كلها لحروب داخلية وحدودية واختلال الجسم العربى بأسره، إضافة لفتح أبواب المنطقة للتدخّل والوجود العسكرى الأجنبى، خاصّة بعد غزو الكويت وحرب الخليج الثانية.. ممّا أدى لاحقا إلى تراجعات على مستوى القضية الفلسطينية ظهرت جليا فى «اتفاق أوسلو»، الذى نقل القضية الفلسطينية من قضية عربية إلى شأن خاص بقيادة منظمة التحرير ــ وليس حتّى بالشعب الفلسطينى كلّه ــ فانعزلت القضية الفلسطينية عن محيطها العربى، وضعف وضع المقاومة المسلحة المشروعة ضدّ الاحتلال الإسرائيلى، وأصبحت «منظمة التحرير» مسئولة عن تأمين أمن إسرائيل!.. إضافة طبعا إلى تبرير أنواع العلاقات كلها والتطبيع بين إسرائيل ودول عربية ومجموعة الدول الأفريقية والآسيوية.
رافق هذه المسيرة الرسمية العربية الانحدارية قمع العديد من الأنظمة العربية لحركات المعارضة السياسية بشكل عام، وانعدام البناء الدستورى السليم الذى يكفل التحوّل السياسى والاجتماعى السلمى فى كل بلد، فى ظلِّ فشل قوى المعارضة العربية فى بناء نموذج سياسى صالح ليكون بديلا أفضل من الواقع الرسمى. كذلك اتّسمت تلك المرحلة بتصاعد التيّار الإسلامى السياسى، دون وضوحٍ فى رؤيته وفكره وبرنامج عمله السياسى البديل، وفى مناخات تشجع على العنف المسلّح للتغيير الداخلى وعلى فرز وانقسامات داخل المجتمع الواحد، كما ظهر فى تفاعلات الحروب الأهلية العربية طيلة السنوات الماضية.
كذلك تراجع دور الجامعة العربية وأنواع العمل العربى المشترَك، كما وقعت «منظمة التحرير الفلسطينية» ومعها الحكومات العربية كلّها فى مأزق «عملية السلام» مع إسرائيل: عجز عن الحرب معها.. وتعجيز إسرائيلى فى شروط تحقيق السلام العادل، فى ظلّ استمرار الاحتلال وتصاعد الاستيطان!
فلم تكن هذه التداعيات السلبية فى التاريخ العربى المعاصر منفصلة عن مجرى الصراع العربى/الصهيونى الممتد لنحو مائة عام، ولا هى أيضا مجرّد تفاعلات داخلية عربية، «الخارج» منها براء.
• • •
أمّا عن هزيمة عام 1967، فقد أعلن جمال عبدالناصر تحمّله المسئولية الكاملة عنها واستقال من كل مناصبه الرسمية، ولم يعد عن هذه الاستقالة إلا بعد يومين من المسيرات الشعبية العارمة التى شملت معظم البلاد العربية (فى يومى 9 و10 يونيو). ثمّ كانت هذه الهزيمة سببا مهمّا لإعادة النظر فى السياسة العربية لمصر الناصرية حيث وضع جمال عبدالناصر، بعد الهزيمة، الأسس المتينة للتضامن العربى من أجل أولوية المعركة مع العدوّ الإسرائيلى، وتجلّى ذلك فى قمّة الخرطوم عام 1967 وما تلاها من استراتيجية عربية مشتركة لإزالة آثار عدوان 1967، وإسقاط كل القضايا الأخرى الفرعية؛ بما فيها سحب القوات المصرية من اليمن، والتصالح مع الدول العربية كلّها، والسعى لتوظيف كلّ طاقات الأمّة من أجل إعادة تحرير الأراضى المحتلّة.
وكانت هذه السياسة هى سمة السنوات الثلاث التى تبعت حرب 1967 إلى حين وفاة عبدالناصر. فقد أدرك عبدالناصر ومعه كلُّ شعوب الأمّة العربية أنَّ التحرّر من الاحتلال يقتضى أقصى درجات الوحدة الوطنية فى الداخل، وأعلى درجات التضامن والتنسيق بين الدول العربية.
هكذا جعل عبدالناصر من هزيمة عام 1967 أرضا صلبة لبناء وضع عربى أفضل عموما، مهّد الطريق أمام حرب عام 1973، فكانت ست سنوات (1967 إلى 1973) مليئة بعوامل البناء والمواقف الصلبة والتى أعادت للأمَّة المهزومة اعتبارها وكرامتها، ولو إلى حين!
قيل بعد حرب أكتوبر عام 1973، وعقب توقيع المعاهدة المصرية/الإسرائيلية، أن «لا حرب من دون مصر ولا سلام من دون سوريا». وقد ثبت بعد خمسة عقود مرّت على هذا القول، صحة خلاصته حيث لم تحدث منذ ذاك الوقت حرب نظامية عربية/إسرائيلية، بمعنى حرب جيوش تقليدية على الجبهات، رغم حدوث حروب عديدة خلال هذه العقود، قامت بها إسرائيل ضد حركات المقاومة فى لبنان وفلسطين. أيضا، لم تحدث تسوية شاملة للصراع العربى/الإسرائيلى رغم المعاهدات التى حدثت بين إسرائيل ومصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.
• • •
إنّ الغضب الشديد يعتمر الآن فى صدر كلّ إنسان عربى أينما وُجد على ما هو عليه الحال العربى عموما. وهذا أمر جيّد ومطلوب من أجل التغيير المنشود. غضبٌ عارم هو أيضا على مهزلة مجلس الأمن والأمم المتحدة و«غابة المجتمع الدولى» حيث لم يتمّ إجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها للأراضى الفلسطينية ولهضبة الجولان السورية رغم مرور أكثر من نصف قرن من الزمن على ذلك.
وبمقدار ما يتألّم العرب اليوم من وجع سياسات حصلت منذ توقيع المعاهدة المصرية مع إسرائيل، ومن تهميشٍ حصل لدور مصر العربى، بقدر ما يشدّهم الحنين إلى حقبة ما زالت تذكرها أجيال عربية كثيرة، وهى حقبة جمال عبدالناصر التى تميّزت بحالة معاكسة تماما لحال المنطقة العربية الآن!