سقوط جديد للبلد الديمقراطى
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 6 يونيو 2024 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
يوم الثلاثاء الماضى أقر مجلس النواب الأمريكى مشروع قانون غاية فى الخطورة. المشروع ينص على معاقبة القائمين على المحكمة الجنائية الدولية بلاهاى، إذا أقدمت على معاقبة شخصيات أمريكية أو جنود حاليين أو سابقين ينتمون إلى الولايات المتحدة، كما ينص المشروع الذى يحتاج إلى موافقة تبدو سهلة من قبل نواب مجلس الشيوخ أيضا على معاقبة الولايات المتحدة للمحكمة، إذا أقدمت على ملاحقة شخصيات محمية من قبل الولايات المتحدة، وهنا وفى تلك الجملة الأخيرة تأتى مسألة معاقبة الولايات المتحدة للمحكمة إذا ما لا حقت قادة الكيان الصهيونى.
خطورة القرار الذى اتخذه مجلس النواب الأمريكى لا ترتبط فى الانحياز الأمريكى الآلى إلى الكيان الصهيونى، فهذا الأمر ليس بجديد على الإطلاق، لكن الجديد فى مشروع القانون الأمريكى أنه يمنع إنفاذ القانون الدولى بشكل صريح ودون أى مواربة، كما أنه يضع العراقيل أمام المحكمة فى تنفيذ مهامها ووظيفتها والتى تقوم بها دون أى هوى سياسى. كل ذلك يشير إلى أن الولايات المتحدة أصبحت هى الأخرى دولة مارقة وخارقة للقانون الدولى بشكل صريح، وداعية إلى إحداث خلل فى النظام الدولى، ناهيك عن أنها تستغل المحكمة الجنائية الدولية لأغراض سياسية، فإن قامت بالدعوة إلى توقيف الرئيس الروسى بوتين بسبب حربه ضد أوكرانيا كما حدث بعد أسابيع قليلة من وقوع الحرب الروسية الأوكرانية فهى مرحب بها، ولكن أن قامت بمضايقة الصهاينة بسبب أعمال الإبادة الجماعية ضد أصحاب الأرض، فهى مهددة بالعقاب.
مشروع القانون الحالى الذى وافق عليه مجلس النواب بأغلبية 247 ومعارضة 155 عضوا يسعى أعضاء الحزب الجمهورى بالمجلس من خلاله إلى ضرورة إدانة المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الصهيونى يوآف جالانت.
وكان المدعى العام فى المحكمة الجنائية الدولية كريم خان قد قرر منذ عدة أسابيع توجيه الطلب بإصدار مذكرات اعتقال بحق هؤلاء وبعض قادة حماس على خلفية الإبادة الجماعية.
موقف البيت الأبيض من مشروع القانون هو الموافقة على الموضوع من حيث المبدأ، لكنه فقط يعارض الصراحة الشديدة فيه، فهو يرغب فى أن يكون الحديث عن العقاب لقضاة الحكمة مبهم، ويقبل البيت الأبيض بصيغة حل وسط كأن تقوم الولايات بعرقلة قرار المحكمة الأخير بصيغ أخرى غير صيغ العقاب المباشر.
وكانت المحكمة التى نشأت وفق نظام روما الأساسى لعام 1998، وتأسست عام 2002، قد وافق على الانضمام إليها 123 دولة، ليس من بينها الولايات المتحدة. وكانت عدم الموافقة على الانضمام لها هو الخشية من ملاحقة أمريكيين بسبب الحرب فى العراق وأفغانستان أحد أهم الأسباب لرفض الانضمام لها، لأنها تحقق بالأساس مع الاشخص فى جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والعدوان، وهى تصدر أحكام قابلة للطعن.
الأرجح أن عمل المحكمة سيتأثر بالموقف الأمريكى، إذ قد يسيس بشكل أو آخر قراراتها، وقد بدأ هذا الأمر بالفعل عند قيام المحكمة بمساواة قادة حماس (المقاومين ضد الاحتلال) بقادة الكيان الصهيونى (المحتلون)، عندما أعلن الكونجرس الأمريكى نيته فى إصدار هذا التشريع.
على أية حال، فإن المشكلة ستكون منذ اليوم مشكلة تهيئة الأجواء للمحكمة لتعمل بحرية، بعبارة أخرى، لن تكون على الأرجح هناك أية مشكلة فى تمويل عمل المحكمة، لأن هذا التمويل لا تشارك فيه الولايات المتحدة بداية كى تتأثر المحكمة بقطعه. لكن المشكلة ستكون مستقبلا فى إعمال القانون والعدالة فى النظام الدولى الراهن الذى لم يتبق فيه أى نظام.