سعر المواطن المصري
وائل قنديل
آخر تحديث:
الإثنين 6 يوليه 2009 - 4:55 م
بتوقيت القاهرة
الأقسى من الطريقة البشعة التى قتلت بها الشهيدة مروة فى ألمانيا، أننا من جديد نتجرع الحقيقة بمذاق العلقم، وهى أن المواطن المصرى بلا ثمن داخل وطنه، ومن ثم فلا تسألوا عن كرامة له فى الخارج.
هذه هى الحقيقة باختصار شديد وإن حاولوا الضحك على عقولنا بأن ما جرى لم يكن قتلا على الهوية، حتى وإن كان حادثا فرديا.
غير أن الأكثر إيلاما أن يخرج علينا سفير مصر فى ألمانيا بتصريحات غاية فى الاستفزاز تنفى عن الجريمة أية أبعاد عنصرية أو سياسية، وتصورها كما لو أنها حادث دراجة نارية عابر، ناهيك عن أن سعادة السفير وفقا للمتاح من المعلومات لم يكلف نفسه مثلا مرافقة جثمان الشهيدة إلى القاهرة، أو يبدى أى بادرة احتجاج على نحر مواطنة من خيرة رعاياه فى ألمانيا بهذه الطريقة البشعة فى مكان مفترض أنه ملاذ المظلومين فى أى بلد بالعالم.
كنت أتوهم أن مقتل مواطن مصرية فى الغربة كفيل بتحريك قليل من مشاعر الغضب والإحساس بالمهانة لدى السفير، غير أن كل ما اهتم به سعادته هو البحث عن كلمات بلا معنى حول قوة ومتانة العلاقات، وكأن مقتضيات القوة والمتانة تعنى أن نغض الطرف عن ذبح أبنائنا وبناتنا فى الخارج.
ولو عكسنا الوضع وافترضنا أن سائحا ألمانيا قتل بالخطأ فى حادث بالقاهرة، أقول سائحا وليس واحدا من العقول الألمانية التى جاءت للدراسة والعلم، كيف ستكون ردود الأفعال؟
سيهرع وزير خارجية مصر إلى مكان الحادث يقدم اعتذاره واعتذار الشعب المصرى كله ويتوعد بمحاكمة عاجلة توقع أقصى عقوبة على الجانى، ومحاسبة المقصرين فورا، وسيجرى رئيس الجمهورية اتصالا يقدم فيه عزاءه إلى الحكومة والشعب الألمانيين، وقبل ذلك إلى أسرة القتيل، وستعلن حالة الاستنفار فى جميع الأجهزة الأمنية فى مصر، وتجرى عمليات اعتقال عشوائية وتتسع دائرة الاشتباه لتطول الجميع.
وفى ألمانيا ستكون الصورة على النحو التالى: يخرج الجالس فى موقع مستشار ألمانيا لاستقبال الجثمان، أو على الأقل وزير الخارجية، لأن هؤلاء القوم يدركون أن المساس بمواطن واحد يعنى المساس بالوطن كله، بينما هنا فى بلادنا السعيدة لم نصل بعد إلى تعريف لكلمة مواطن أو وطن ومن ثم فلا قواعد تنظم العلاقة بينهما.
وقارن معى بين هذه الصورة فى ألمانيا، وما جرى فى مطار القاهرة لحظة وصول الجثمان، لم يكن هناك سوى السفير الألمانى بالقاهرة وأحد مساعدى وزير الخارجية المصرية ورئيس جامعة المنوفية.
هل عرفت الفرق بيننا وبينهم؟ هنا يعامل المواطنون كالقطيع، يجرى إحصاؤهم بعدد الرءوس، بينما هناك كل مواطن هو قطعة من الوطن، ولذلك لم نسمع أن لاعبا ألمانيا ولا حتى هنديا سرق جواز سفره وهرب من بعثة بلاده إلى جهة معلومة طالبا اللجوء أو باحثا عن جنسية أخرى.