فلتسقط.. الفلول
معتمر أمين
آخر تحديث:
السبت 7 يوليه 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
فى بداية الثورة كنا مصريين ضد نظام مبارك ثم حدث أن انحاز جزء إليه فأطلقنا عليهم كلمة الفلول. ثم نجحت الثورة فى إسقاطه وبدا وكأننا نسير على طريق من حرير حتى اصطدمنا بأن هناك إطارين جامعين يحيطان بنا ولا نعرف عما فى جرابهما من أشياء! وعلى النقيض لم يكن لنا كثوار إطار جامع وواسع للحركة ولكن الحلم بالتغير كان هو الأفق الذى لا نقبل بأقل منه مهما كانت الأسباب. إلا أن تدفق الحوادث جعلنا نستوعب على مدار عام ونصف ان كلا من الإخوان والعسكر كان لهما إطار محدد للحركة وهما يسيران طبقا لمخطط موضوع لإدارة الشىء الذى حدث فى مصر. العسكر مثلا يقول انها ثورة ويرى انها مشروعة لكن فعله يقول انها «ازمة» يجب ان يديرها او يفرملها بالأحرى والإخوان يقولون انها ثورة وانهم جزء منها، لكن فعلهم هو استغلال الشىء الذى حدث بغية الإمساك بالسلطة وتغير نوع الإصلاح الثورى الذى خرجت الجماهير تطالب به إلى التدريجى الذى يريدون حتى كادوا ان يزهقوا الثورة ولكن الله غالب على امره.
●●●
ولأن المبادر دائما يفوز لأنه يجعل (او يجبر) باقى القوى واللاعبين ان يلعبوا طبقا لقواعده وإطاره فإن كلا من العسكر والإخوان نجحا فى شىء لم يكن فى الحسبان وهو ان يستقطبا باقى المجتمع إلى حالة «معنا ولا علينا» وهى حالة فى منتهى الخطورة لما لها من تبعات! والجدير بالذكر أن هذه الحالة تخدم الاثنين معا وأن كلا منهما سعيد إلى أبعد حد أن هذه المعادلة تم تسويقها وقبولها على هذا النحو لدى الرأى العام. وسبب السعادة انه بمجرد اختصار الملعب على سؤال إقصائى فإن ضمان ولاء الناخبين سهل فما عليك إلا أن تذكر انك ضد شىء فيجتمع عليك من يؤمن بك بالإضافة إلى من هو ضد الآخر لكن ليس بالضرورة من انصارك. وكذلك هذه الروح الإقصائية تضمن تمرير سياسات استبدادية من كل طرف ليقتنص بها ويقزم من خلالها الطرف الآخر. ولكن الحقيقة غير الواقع الذى نراه. فالواقع هنا مجرد لقطة معبرة عن لحظة ولكن الحقيقة تشمل ما هو أكثر من ذلك بكثير. ولعلنا بمراجعة بسيطة لما حصل عليه الرئيس مرسى والفريق شفيق فى الجولة الأولى عندما كان هناك تنوع فى المعروض امام الجماهير لتختار نجد ان الاثنين حصلا مجتمعين على 50% بالكاد من اجمالى «الناخبين».
هذا الطرح يدفعنا إلى سؤال آخر أكبر من مجرد حالة الاستقطاب بين الرئيس والفريق اذ اننا نعرف ان 75% من الشعب المصرى لم يختر الرئيس (50% لم يذهب إلى الانتخابات و25% اختاروا شفيق) وباستطاعتنا ان نقول نفس الشىء بالنسبة لنسب الرافضين للفريق شفيق. ومن هنا نبدأ الانتقال من لحظة الغوص فى الواقع وتفاصيله إلى لحظة إدراك الحقيقة او جزء آخر مكمل للواقع الذى نراه. فالحقيقة ان المشهد الإقصائى غير معبر إلا عن قلة تريد أن تمحوا الآخر وللأسف شاءت الأقدار ان تنحصر جولة الإعادة بين ممثلى طرفى الإقصاء فى حين اننا ندرك ان هناك طرفا آخر وهو ليس «مجرد» بديل لأحد وانما هو طرف أصيل فى العملية السياسية وله مكانه المحفوظ والمسجل باسمه ولا يستطيع أحد ان يملؤه الا من أبنائه وهم الثوار. هذا الطرف ليس الطرف الثالث وانما هو المكون الأساسى للوسطية المصرية الإسلامية السمحة والمسيحية المُحبة والفقراء والمتضررين من سياسات مبارك.
●●●
إن أحلام التغيير لدى المصرى الأصيل لم ولن تتغير فالمصرى لم يثر من أجل استبدال تنظيم بوليسى قمعى وحديدى بآخر به نفس المواصفات لكن بظاهر دينى. ان المصرى ثار من أجل ان تكون له الكلمة.. لذلك أرى ان الحالة الحقيقية لوضع البلد ليست مجرد عسكر وإخوان وانما هناك عسكر وثورة وإخوان وسنظل كذلك لبرهة من الزمن. والحقيقة ايضا ان هناك فئات فى المجتمع غير هؤلاء الثلاث ومنها فئة الفلول. واظن ان بعد فوز المرسى بالرئاسة وخسارة شفيق أجدنى مجبرا على طرح سؤال يشغل البال بشدة وهو إلى متى سنظل نطلق كلمة فلول على مجموعة من البشر؟ الم يحن الوقت لتسقط كلمة الفلول من القاموس؟ والمسألة ليست مجرد إسقاط كلمة ولكن المطلب الحقيقى هو إعادة تعريف الكلمات التى تحكم افكارنا السياسية. باختصار إذا كان المصريون خرجوا (الثورة) من أجل أحلام التغيير فإن هناك من وقف امام التغيير بالمراصد لأنه صاحب مصلحة (فلول) وانتهى بنا الحال فى نهاية المرحلة الانتقامية إلى التفضيل بين استبداد باسم الدين أو استبداد بيد العسكر ومن ثم الدولة. الآن جاء الوقت لنغير هذه المعادلة ونقول، كلنا وراء التغيير وضد الاستبداد ونحن ضد التنظيمات المغلقة على نفسها وغير القانونية ومع تمثيل حقيقى ومتنوع ومعبر بصدق عن الشعب كله. يجب ان نبدأ الآن المرحلة الانتقالية وبقلب جديد وتعريفات ملائمة.