أمراضنا وحلولنا الجذرية
ريم سعد
آخر تحديث:
الخميس 6 أغسطس 2009 - 9:36 م
بتوقيت القاهرة
أعلن اللواء محمد سيف الدين جلال محافظ السويس أخيرا أنه سيتم إحالة المصابين بإنفلونزا الطيور إلى النيابة العامة بتهمة تربية الطيور وتجريمهم بتهمة الإضرار بالنفس والغير. أما المصابين من الأطفال فسوف يتمتعون بتطبيق قانون حماية الطفل عليهم وذلك بمعاقبة أولياء أمورهم بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. قبل ذلك بأشهر قليلة أثارت الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر جدلا بمطالبتها التفرقة بين مريض الإيدز الذى أصيب بالمرض نتيجة ممارسة الرذيلة أو حقن المخدرات وبين من انتقل إليه المرض لأسباب أخرى وذلك فى إطار مشاركتها آنذاك فى «الحركة المصرية لرفع الوصم والتمييز ضد مرضى الإيدز»، وعليه فإن رفع الوصم والتمييز يكون فقط من نصيب النوع الثانى من المرضى. وللحق فإن هذا الرأى ووجه بانتقاد شديد من جهات فقهية وطبية وغيرها، منها ما كتبه د. خالد منتصر من أن اتخاذ أسباب المرض كمعيار للتمييز بين المرضى هو ضد فلسفة وروح الطب ويتنافى مع مضمون القسم الذى يقسمه الأطباء قبل ممارسة المهنة.
لهذين المثلين دلالات عدة، أهمها التأثير السلبى لمثل هذه الاجتهادات على جهود مكافحة الأوبئة الخطيرة والحد من انتشارها والتى يلزمها بالضرورة تعاون وتفاهم وثقة بين الأجهزة الحكومية والمواطنين. إن تعاون المواطنين يلزمه بالأساس وضوح فى الرسالة الموجهة إليهم وتنسيق بين جهات الحكومة المختلفة لكى تكون تلك الرسالة وما بها من توجيهات متسقة وخالية من التضارب والتناقضات. لذلك فليس من المعقول أن تطلب الجهات المعنية بالصحة من المواطنين سرعة اللجوء إلى المستشفى فى حالة الاشتباه فى الإصابة بالمرض وفى الوقت ذاته تشمر جهة رسمية أخرى عن ساعديها لتحويل المريض إلى النيابة. صحيح أن وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلى سارع برفض اقتراح محافظ السويس إلا أن الضرر وقع. فتصريحات مثل هذه حتى وإن لم تجد طريقها إلى حيز التنفيذ إنما تهدم القليل من الثقة التى تم بناؤها فى الفترة الأخيرة فيما يخص مكافحة إنفلونزا الطيور بالذات وقد تعود بنا خطوات إلى الوراء حيث أدت السياسات والتصريحات المتخبطة فى بداية ظهور المرض إلى تفاقم المشكلة بشكل كبير. ففى بداية الأزمة تم منع تربية الطيور المنزلية نهائيا ودون التفرقة بين الريف والحضر وهو قرار لم يلتفت إطلاقا إلى الأهمية القصوى للطيور بالنسبة لاقتصادات الأسرة الريفية بشكل عام والمرأة الريفية بشكل خاص. طلب إعدام الطيور كان يعنى أن تقوم الأسرة الريفية بإهلاك جزء أساس من رأسمالها. ولما كان ذلك القرار حينها مصحوبا بمداهمات للقرى للتحقق من أن الطيور قد تم إعدامها بالفعل لجأ الفلاحون إلى إخفاء الطيور فى الغرف الداخلية حيث أماكن نومهم مما كان له أثر كبير فى شدة انتشار المرض. بعد ذلك اتخذت طرق المكافحة أشكالا أكثر واقعية وتفهما للظروف فتم استثناء الريف من الحظر وظهرت حملات توعية معقولة المستوى حول الأسلوب الصحى للتعامل مع الطيور الحية.
يجىء تصريح محافظ السويس ليحيى جو التربص وحالة البلبلة التى قد يطال ضررها جهود مواجهة إنفلونزا الخنازير لو أحجم الناس عن الإفصاح عن حالات الاشتباه خشية تحميلهم مسئولية ما. والأمر ليس بمستبعد إذا نظرنا مثلا إلى رد فعل عائلة السيدة سماح سليمة التى توفيت نتيجة إنفلونزا الخنازير، حيث تحاول أسرتها بكل الطرق نفى أن الإنفلونزا هى سبب الوفاة وكأنها تهمة. والأخطر هو ما نشرته صحف الخميس 23 يوليو حول الاشتباه فى إصابة ثلاث ممرضات بإنفلونزا الخنازير ومحاولة إحداهن الهرب ومطاردة الشرطة لها، وكان ذلك بالمناسبة فى محافظة السويس. آخر ما نحتاجه فى مواجهتنا الصعبة لأمراض جديدة وخطيرة هو أن يدخل على الخط عنصر الخوف من الحكومة ودفع الناس إلى تفضيل المخاطرة بإخفاء مرضها على التوجه إلى جهة حكومية فى مواجهة غير مأمونة النهايات.
لكن من الواضح أن البعض من ذوى السلطة أو أصحاب الرأى يرى أن حل مشكلة إنفلونزا الطيور يكون عن طريق سجن المريض وإنفلونزا الخنازير عن طريق إبادة الخنازير والإيدز عن طريق نبذ المنحرفين. ويرى هؤلاء أن تلك خطوات حاسمة تليق بمجتمع ينقصه الانضباط والتربية والفضيلة وأن مثل تلك الحلول هى ما نحتاج لاقتلاع المشكلات من جذورها. وفى واقع الأمر فإن هذه النظرة تتناقض مع ما يراه مثلا خبراء التنمية وما تقول به أدبياتها حيث الحديث عن اقتلاع المشكلات من جذورها غالبا ما يقصد به التعامل مع أسباب المشكلة وليس مع تجلياتها فيكون مثلا التعامل مع انتشار الأمراض والأوبئة عن طريق خطط طويلة المدى لتحسين ظروف المعيشة والتعامل مع قضايا صعبة مثل الفقر والبطالة والتلوث ورداءة مستوى التعليم والصحة العامة. أما فى حالتنا هذه فمفهوم الحلول الجذرية يقف وراءه اعتقاد بوجود أجزاء معطوبة من المجتمع والحل الجذرى هو بتر تلك الأجزاء لكى يصح جسم المجتمع. الحلول الجذرية بمعناها الصحيح تستلزم سياسات رشيدة ومتسقة ونفسا طويلا. أما الحسم بالترويع أو الإقصاء على أساس أخلاقى فهو أقرب إلى الحلول الفاشية منها للحلول الجذرية وما ينوبنا منها ليس فقط القهر وإنما الفشل أيضا.