قبل أن تخرج علينا أمريكا بمشروعها للتسوية
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
الخميس 6 أغسطس 2009 - 9:26 م
بتوقيت القاهرة
من مجمل التصريحات والتسريبات التى نشرت فى الآونة الأخيرة، تبدو إدارة أوباما وكأنها قاب قوسين أو أدنى من إعلان عن خطة للتسوية لمشكلة الشرق الأوسط. والتساؤل الذى يتبادر إلى الذهن على الفور هو ما إذا كنا فى واقع الأمر نحتاج إلى مشروع جديد يضم إلى ملف أزمة الشرق الأوسط المتخم أصلا بالقرارات والمبادرات. كنا نحسب أن مجال الاجتهاد فى هذه القضية قد أغلق، ومع ذلك فما دمنا نطالب أمريكا بالتحرك فلا يمكن أن نسلبها حق البحث وتقديم الاقتراحات. والمشكلة لا تكمن فى الإعلان عن مشروع جديد، إنما يكمن الخطر إذا ما أرادت أمريكا تحت الإلحاح الإسرائيلى أو اللوبى اليهودى أن تطلب المزيد من الدول العربية إضافة لما سبق لها أن قدمته من خلال مواقفها ومبادراتها.
وقبل أن نتعرض لما يمكن أن تقوم به الدول العربية لمواجهة مثل هذا الموقف، قد يكون من الضرورى محاولة رسم ملامحها من واقع ما تم الكشف عنه.
فالخطة تؤكد التزام أمريكا القاطع بالتوصل إلى اتفاق، واستعدادها للدعوة لمؤتمر سلام، أو ترتيب لقاء قمة لتدشين المفاوضات، أو استضافة لقاءات ثنائية للأطراف المعنية. كما ستتحدث الخطة عن إطار زمنى محدد لإجراء المفاوضات. وربما الأهم فى الخطة أنها تعالج التسوية بمعناها الشامل أى تناول المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية.
علينا الآن محاولة استجلاء ما ستكون عليه الطروحات الأمريكية بالنسبة لكل عنصر من عناصر التسوية وعلى الأخص بالنسبة للقضية الفلسطينية أى الانسحاب والحدود والمستوطنات وترتيبات الأمن وحق العودة والقدس والتطبيع.
وسيتبين على الفور مدى ضخامة العبء الذى يقع على كاهل الدول العربية لمنع حدث تآكل فى المواقف الأمريكية من هذه العناصر، وإقناع الإدارة الأمريكية الجديدة أن تنأى بنفسها عما صدر عن بوش وإدارته من مواقف تتعارض مع أسس التسوية التى ارتضاها المجتمع الدولى.
فعلى سبيل المثال، سبق أن فاجأنا جورج بوش الابن فى 14 أبريل عام 2004 بإضفاء صفة جديدة على الحدود التى يمكن لإسرائيل أن تنسحب إليها، وهى ضرورة أن تكون هذه الحدود حدودا يمكن الدفاع عنها. وهذه صفة دخيلة تماما على نص قرار مجلس الأمن رقم 242 الذى اقتصر على تعريف الحدود بأن تكون آمنة ومعترفا بها. وفارق كبير بين تأمين الحدود، وبين إعادة رسمها بحيث يمكن الدفاع عنها. وهناك مخاطر كبيرة إذا ما تضمنت الخطة الأمريكية الجديدة تلك الصفة التى ابتكرها بوش ــ أو وافق عليها بناء على طلب شارون ــ خاصة أن بوش أعلنها فى مؤتمر صحفى وضمنها فى خطاب منه إلى شارون. بل إن نتنياهو استخدم هذا التعبير مجددا فى خطابة الذى ألقاه بجامعة بار إيلان يوم 14 يوليو الماضى.
وبالنسبة للمستوطنات، فبعد أن كان اوباما يصر على ضرورة على أن توقف إسرائيل بالكامل نشاطها الاستيطانى، بل وقال فى خطبته من القاهرة إن الولايات المتحدة «لا تقبل شرعية استمرار المستوطنات»، نلاحظ الآن حدوث تآكل فى هذا الموقف الأمريكى، حيث يجرى الحديث عن حلول وسط تسمح لإسرائيل باستكمال البناء فيما سبق البدء فيه، أو الربط بين وقف الاستيطان واتخاذ الدول العربية لخطوات فى اتجاه التطبيع مع إسرائيل!
جدير بالذكر هنا أن مصر تمسكت ونجحت فى تضمين معاهدة السلام مع إسرئيل لعام 1979 نصا صريحا بانسحاب المستوطنين الإسرائليين جنبا إلى جنب مع انسحاب القوات الإسرائيلية. وأجد نفسى مضطرا إلى العودة إلى رسالة بوش المشئومة فى 14 أبريل 2004 حيث اعتبر أن الكتل الاستيطانية الضخمة التى أقامتها إسرائيل على الأراضى الفلسطينية قد أصبحت حقيقة واقعة على الأرض، لذلك فيرى بوش أنه ليس واقعيا أن تنسحب إسرائيل إلى خطوط الهدنة لعام 1949، إنما على الإسرائيليين والفلسطينيين الاتفاق فيما بينهم على إدخال تعديلات على هذه الخطوط بحيث تعكس هذه الحقائق الجديدة. هكذا نسف بوش مبدأ عدم جواز اكتساب الأراضى عن طريق القوة وهو حجر الزاوية فى القرار 242. جدير بالذكر أنه لم يمض على خطاب بوش أقل من ثلاثة أشهر حتى أصدرت محكمة العدل الدولية فى يوليو 2004 قرارها التاريخى باعتبار الجدار العازل الذى أقامته إسرائيل عملا غير مشروع، ويمثل انتهاكا لأحكام القانون الدولى، بل ويخلق أمرا واقعا يمكن أن يصبح وضعا دائما، ويرقى إلى ضم الأراضى كأمر واقع.
وبالنسبة لترتيبات الأمن كأحد عناصر التسوية، فلابد من الإصرار على أن تقوم على الجانبين على أساس من التبادل، وأن تكون قابلة لإعادة النظر فيها مستقبلا. أما مطلب إسرائيل بأن تكون الدولة الفلسطينية مجردة من السلاح، فأدعو الله ألا تخرج علينا أمريكا بمثل هذه المفاهيم تحت أى ذريعة من الذرائع.
نأتى إلى حق العودة. جاءت المبادرة العربية لعام 2002 أكثر من سخية عندما تعرضت لهذا الموضوع، حيث تحدتث عن التوصل إلى حل عادل للمشكلة «يتم الاتفاق عليه» وقائم على القرار رقم 194. وحسنا فعل السكرتير العام للأمم المتحدة عندما أكد يوم 31 يوليو الماضى على ضرورة عودة اللاجئين إلى أراضيهم التى نزحوا عنها، مضيفا أن مطلب إسرائيل بالاعتراف بها كدولة يهودية يجب ألا يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة المعنية بحق اللاجئين الفلسطينيين. غير أن نتنياهو يشدد الآن على أن عودة اللاجئين لابد أن تتحقق بعيدا عن إسرائيل. بل والمؤسف حقا أن بوش سبق له تبنى هذا الموقف فى خطابه لشارون عام 2004. والأمل المعقود على الدول العربية فى منع الولايات المتحدة من ترديد هذا المفهوم فى مبادراتها المرتقبة.
ويرتبط حق العودة بموضوع يهودية الدولة الذى تطالب حكومة نتنياهو الدول العربية بضرورة الاعتراف به. واضح أن ذلك يتفق تماما مع رفض إسرائيل عودة اللاجئين إليها، كما يعنى وجود نية مبيتة لديها للتخلص من عرب إسرائيل. مرة أخرى لابد من الإشارة إلى أن خطاب بوش سيئ السمعة إلى شارون أكد التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل «كدولة يهودية».
ومن الواضح أن العالم، بما فيه الولايات المتحدة، لن يتقبل ما تردده إسرائيل صباحا ومساء من أن القدس غير المقسمة ستبقى عاصمتها الأزلية، لأن العالم لايزال ينظر إلى القدس من منظور قرار التقسيم الذى اعتبر أنها ذات وضع دولى خاص. وأعتقد أن أى محاولة للوصول إلى حل وسط لا تتفق مع ما أكد عليه العرب فى مبادرتهم بأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، لن يكتب لها أى فرصة للنجاح.
ويبقى موضوع التطبيع الذى يبدو أنه يلقى آذانا صاغية من الإدارة الأمريكية ومن الكونجرس. وتصدر تباعا التصريحات التى تحث الدول العربية على اتخاذ خطوات فى سبيل التطبيع كبادرة لحسن النية وبناء الثقة أو لحث إسرائيل على التجاوب مع المسائل المعلقة. تخاطب أمريكا فى الواقع الطرف الخطأ، لأن اتخاذ إجراءات لبناء الثقة مطلوب من إسرائيل التى تمعن فى سيادتها العدائية يوما بعد يوم. وأعتقد أن وزير الخارجية السعودى قد أصاب كبد الحقيقة عندما قال يوم 31 يوليو وعلى مسمع من وزير الخارجية الأمريكية إن السلام إنما يتحقق عن طريق معالجة قضايا التسوية الأساسية، وليس عن طريق الإيماءات أو الغمزات، فالمبادرة العربية أبدت الاستعداد لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، بل واعتبار النزاع العربى ــ الإسرائيلى منتهيا إذا أوفت إسرائيل بالتزاماتها.
يتبين من كل ما تقدم أننا فى سباق مع الزمن كى لا تخرج علينا الإدارة الأمريكية بمواقف موروثة عن الإدارة السابقة، أو تعكس إملاءات اللوبى الإسرائيلى، أو تتجاوب مع ضغوط الكونجرس بمواقفه التقليدية فى تأييد إسرائيل.