المائة يوم التى لا تبدأ أبدًا
وائل قنديل
آخر تحديث:
الإثنين 6 أغسطس 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
كانت الشفافية هى الوعد الأبرز فى خطاب الدكتور محمد مرسى قبل أن يكون رئيسا، فى إشارة إلى أن عصرا جديدا سيبدأ، يصبح فيه الرئيس مسئولا أمام شعبه، وملتزما بما يقول.
ووفق هذا المعيار استقبل الناس الكلام عن برنامج المائة يوم الأولى بمنتهى الجدية والثقة فى الالتزام بالخطة المعلنة، وعلى ذلك لا يمكن أن نلوم أحدا لأنه صدق ما وعد به وبدأ فى العد صعودا ونزولا فى جدول المائة يوم، مع حالة ترقب لما تسفر عنه الأيام من تغيير وتحسن.
ومن هنا يبدو غريبا أن يلجأ البعض لنوع من المراوغة والمناورة فى التعامل مع المائة يوم، والأكثر مدعاة للدهشة هذا التضارب بين الحسابات لاستطلاع هلال المائة يوم، حيث فهم الناس أنها بدأت فور إعلان فوز الرئيس، وتوليه السلطة.
لكن المحيطين بالرئيس يفاجئوننا بتصريحات تبريرية تنتمى بشكل كامل لخطاب عصر حسنى مبارك، الذى كان يصدر مشاكل الحاضر إلى الماضى، حيث البلد خربانة وبدون بنية أساسية، ومن ذلك ما أعلنه القيادى فى جماعة الإخوان الدكتور عصام العريان عن أن المائة يوم بدأت فقط بعد تشكيل الحكومة، على الرغم من أن نحو ٣٥ يوما مرت على بداية حكم محمد مرسى.
وأزعم أن هذا الأسلوب الدفاعى التبريرى لن يخدم الرئيس الجديد أو مشروعه، لأنه ببساطة يقول للجماهير إنه «ليس فى الإمكان أفضل مما كان» على اعتبار أن الظروف غير مواتية الآن لكى تثمر شجرة التغيير، وأن الأمر يتطلب الصبر والانتظار بما يذكرك بتكتيكات شد الحزام فى عصور مضت.
ومن حق الناس أن تتوجس وترتاب فى إمكانية أن تأتى وعود المائة يوم بجديد، فى ظل تفضيل الرئيس مرسى أن يقود السفينة بطواقم قديمة تنتمى إلى المرحلة التى أنتجت كل ذلك الفساد والفشل، خصوصا مع هذا الارتماء الواعى فى أحضان ما يسمى بالدولة العميقة القديمة العقيمة المتكلسة، وهو ارتماء يبدو أنه «ممنهج» ومدروس بعناية، ربما كان بقصد تلافى ضربات النظام القديم بإشراكه وإلهائه فى اللعبة السياسية الجديدة.
لكن أيا كانت مبررات هذا التماهى مع القديم، فإن كل يوم يمضى يكون فيه الرئيس الجديد أقرب إلى العمق القديم، بدلا من أن يأخذ البلد كله ويطفو به على سطح المستقبل الجديد، والخطورة هنا أن يقع تطبيع كامل بين منظومة الحكم الجديدة، وبين بقايا النظام الذى قامت ضده الثورة، وبقدر ما يسافر الرئيس فى أعماق هذا النظام القديم، بقدر ما يبتعد عن قيم وأحلام ومطالب عصر جديد، هو أول من وعد بأن يكون ملتزما بتحقيقها.
لقد اصطفت الجماهير خلف الدكتور مرسى بهدف استكمال مسيرة الثورة والتصدى لمحاولات قتلها، لكن البادى أن هناك رغبة فى تذويب الثورة فى الثورة المضادة ليتحول الموضوع كله إلى مجموعة إصلاحات أو ترميمات هى أبعد ما تكون عن منطق الهدم وإقامة بناء جديد.