لماذا تروج السلطوية للعبث؟

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأحد 6 سبتمبر 2015 - 6:40 ص بتوقيت القاهرة

ليست السلطوية الجديدة فى مصر ولا مؤسساتها الأمنية والاستخباراتية فاقدة الأهلية لتظن أن دفع البعض داخل المجلس القومى لحقوق الإنسان لإصدار تقارير تنفى وقوع مظالم أو انتهاكات أو تجاوزات داخل السجون وأماكن الاحتجاز سيقنع الرأى العام «بنقاء سجل» الحكم أو بالتزامه مقتضيات صون الكرامة الإنسانية خلف الأسوار.

ليست السلطوية الجديدة فاقدة الأهلية لتظن أن تقارير سجون «الخدمة المتميزة والشكاوى الغائبة» والأوضاع التى على ما يرام ستزين لقطاعات شعبية واسعة تصديق أن ممارسات التعذيب لا تحدث فى السجون، وأن ظواهر كالاختفاء القسرى وعذابات الأهل الذين لا يعلمون منذ أشهر طويلة أماكن أبنائهم وأقاربهم والسجون السرية للأمن الوطنى ما هى إلا أكاذيب ينشرها المتآمرون الذين يعملون فى منظمات حقوق الإنسان ومبادرات الدفاع عن الحريات، وأن الحديث عن تكرر الإهمال العمدى للأوضاع الصحية الصعبة لبعض المسلوبة حريتهم على نحو يرتب وفاتهم أو عن المعاملة غير المقبولة أخلاقيا وإنسانيا قبل قانونيا وإجرائيا لأهل المسلوبة حريتهم وللمحامين المتولين الدفاع عنهم يعتريه التهافت من جميع جوانبه ولا تتردد أصداؤه إلا بين المجموعات المتعاطفة مع «الإرهابيين» و«المعادية للدولة الوطنية» والكارهة للتقدم وللاستقرار.

ليست المؤسسات الأمنية والاستخباراتية فاقدة الأهلية لتظن أن القطاعات الشعبية التى تخاطبها بتقارير نقاء السجل وتقارير سجون الخدمة المتميزة لتزييف وعيها وتوظف سيطرتها على وسائل الإعلام وضجيج طيور الظلام ومكارثيى حكم الفرد للترويج الإعلامى المكثف للتقارير هذه لا تدرك الحقيقة كاملة ودون رتوش، أو أن أفرادها لم يقتربوا فى محيطهم الشخصى أو الأسرى أو المهنى المباشر من روايات موثقة للمظالم والانتهاكات التى تراكمت كالجبال منذ صيف 2013، أو لم يتنام إلى أسماعهم حكايات المختفين قسريا وحكايات الممنوع عنهم زيارات الأهل وحكايات الأمهات والآباء الذين تخور قواهم وهم يتنقلون بين أقسام الشرطة ومقار النيابات والمحاكم ودار القضاء العالى أملا فى معرفة أماكن الأبناء أو الأقارب، أو أن وخز الضمير الإنسانى الرافض للظلم والمطالب بالعدل لم يوقفهم عندما تكررت وفاة بعض المسلوبة حريتهم فى السجون وأماكن الاحتجاز أو أن القيم الأخلاقية لم تخاطبهم ليرفضوا الصمت على المظالم والانتهاكات وليتطهروا من جريمة التواطؤ صمتا – والتواطؤ هنا هو جريمة غير مباشرة يرتبها الصمت والمسئولية الأخلاقية والإنسانية هى باتجاه كل ضحايا المظالم والانتهاكات دون تمييز، تماما كما يمثل التبرير الفاسد للإرهاب جريمة غير مباشرة جوهرها تواطؤ مبررى الإرهاب مع عصاباته وتحملهم المسئولية الأخلاقية والإنسانية عن خرائط الدماء والدمار والحزن.

لا، ليست السلطوية الجديدة فاقدة الأهلية. وتعلم جيدا مؤسساتها الأمنية والاستخباراتية ووسائل الإعلام التى توجهها أن أغلبية المصريات والمصريين لا تصدق العبث الذى تحمله تقارير كتقرير «زيارة سجن العقرب» الذى صدر منذ أيام قليلة عن لجنة من لجان المجلس القومى لحقوق الإنسان. ويصعب تجاهل انصراف قطاعات شعبية مؤثرة عن هيستيريا نزع الإنسانية عن المعارضين / الصوت الواحد / الرأى الواحد / التفويض / العقاب الجماعى / البطل المنقذ التى استحوذت على المجال العام بين صيف 2013 وبين الانتخابات الرئاسية فى 2014. غير أن السلطوية ومؤسساتها تواصل الترويج لتقارير نقاء السجل وسجون الخدمة المتميزة، فى ظنى، لسببين آخرين: الأول هو الإبقاء على حصارها للمجال العام بالضجيج المعهود ومن ثم الحيلولة دون انتقال انصراف الناس عن «الرواية الرسمية» من خانات العزوف الشخصى وهوامش الرفض الخائف من التعبير الحر عن الرأى إلى مساحات علنية أوسع وأكثر جراءة، والثانى هو الإمعان فى اغتيال الضمير وتسفيه العقل ومن ثم فرض المزيد من الحصار على كل من يستند إليهما وإلى حساباتهما فى مقاومة السلطوية عبر تصدير الشعور بالهزيمة والانسحاق إزاء العبث الذى يحتفون به دون توقف.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved