تحوّل روسيا إلى الطرف الأكثر تأثيرا فى سورية منذ أواخر 2015 وضعها فى موضع إسفين بين المطامح الإيرانية فى المنطقة ومصالح إسرائيل. والاجتماع بين الرئيس بوتين ورئيس الحكومة نتنياهو دار حول مسألة الوجود والنفوذ الإيرانى فى سورية، فى ظل التراجع الأمريكى.
جرى اجتماع فى 23 أغسطس بين نتنياهو وبوتين فى مدينة «سوتشى» لبحث التدخل الإيرانى المتزايد فى سورية، والدور الذى تمنحه روسيا لإيران فى صياغة تسوية سياسية مستقبلية هناك. وقبل الاجتماع بعثت إسرائيل برسائل حادة عبرت فيها أن الوجود الإيرانى فى سورية ينطوى على تهديد لها. وفى المقابل بُذل جهد إسرائيلى لإقناع الولايات المتحدة بعدم التخلى عن الساحة السورية بصورة كاملة وتركها لروسيا.
تتحدى إسرائيل مصالح القوتين العظميين: روسيا، فيما يتعلق باعتمادها على القتال البرى لإيران وحلفائها إلى جانب الرئيس الأسد؛ والولايات المتحدة، من خلال التشديد على الحاجة إلى تعميق تدخلها فى سورية، على الرغم من أنها عمليا أوكلت إلى روسيا معالجة «الملف السورى»، بمقتضى مسئوليتها عن الحرص على المصلحتين الإسرائيلية والإقليمية، ولو بثمن احتمال مواجهة مع روسيا.
التدخل الإيرانى شرعى تماما، مثل التدخل الروسى بسبب دعوة نظام الأسد، حليفيه الاستراتيجيين، إيران وروسيا، للمساعدة فى القضاء على معارضيه وإبقائه فى الحكم، خلافا للولايات المتحدة التى تدخلها غير مرغوب فيه. ونتيجة لذلك، ففى نظر روسيا، لإيران دور أيضا فى صياغة سورية فى «اليوم التالى» للحرب الأهلية.
يجب الأخذ فى الحسبان أنه كلما استقر الوضع فى سورية، وبالأخص إذا تبلورت بنية سياسية فيدرالية كما تقترح روسيا، فإن إيران يمكن أن تتحول إلى لاعب منافس لروسيا على النفوذ والسيطرة فى هذه الدولة. ومن المتوقع أن تحارب إيران نشوء بنية فيدرالية، إذ إنها تفضل حكما مركزيا علويا قويا ومستقرا يكون خاضعا لنفوذها.
تستند إسرائيل إلى افتراضين أساسيين، الأهم هو الدور المركزى الذى تلعبه روسيا فى صياغة سورية، والثانى، أن روسيا هى فى الوقت الحالى صديقة لإسرائيل. وفى تقدير روسيا، تملك إسرائيل قدرة على تهديد إنجازاتها فى سورية بفضل قدرتها العسكرية الموثوق بها، بالإضافة إلى احتمال اندماجها كقوة مؤثرة فى المعسكر الإقليمى المناهض للنفوذ الإيرانى الآخذ فى الازدياد فى المنطقة. حتى الآن يُترجم هذان الافتراضان إلى تعاون. فإسرائيل وروسيا ينظران إلى بعضهما كشريكين فى التنسيق العسكرى الناجح، خاصة وأن تطبيق هذا التنسيق بينهما يأخذ فى الحسبان مصالح الدولتين.
يتعين على إسرائيل بلورة سياستها وخطواتها مع الأخذ بعين الاعتبار ثلاثة قيود مركزية. أولا، يجب ألا تسمح بتمركز إيرانى من شأنه أن يحول سورية مع مرور الوقت إلى دولة واقعة تحت الوصاية الإيرانية، وأن يوسع منطقة الاحتكاك بين إسرائيل وإيران والتنظيمات الدائرة فى فلكها. ثانيا، إن العلاقات مع روسيا هى رصيد استراتيجى بالنسبة لإسرائيل، لذا يتعين عليها المناورة بين تهديد ذى مصداقية وإظهار استعداد للمس بمصالح روسية حيوية فى سورية، وبين رغبتها فى استمرار تعاون استراتيجى مثمر مع موسكو. ثالثا، الولايات المتحدة هى الحليف المركزى لإسرائيل، لكنها لن تقوم بالعمل بديلا عنها.
بالإضافة إلى ذلك تنظر إدارة ترامب إلى الساحة السورية كمكان للدفع قدما بالتعاون مع موسكو وترغب فى توسيعه أيضا نحو ساحات أخرى (فى طليعتها كوريا الشمالية). بناء على ذلك، لا توجد نية لدى الإدارة الأمريكية للغوص فى المستنقع السورى كما حصل فى النموذج الفاشل فى أفغانستان والعراق. وفى كل الأحوال، ستمنح واشنطن دعما سياسيا لأى نوع من العمليات الإسرائيلية، حتى العسكرية واسعة النطاق، لكن ليس أكثر من ذلك.
إن صراع إسرائيل ضد اتساع النفوذ الإيرانى فى سورية سيُحسم من خلال قدرة إيران وإسرائيل على استخدام أدوات تأثير فاعلة على روسيا. وستحاول روسيا المناورة بين المطالب الإسرائيلية والحاجة إلى التعاون مع إيران من خلال تقديم تعهدات متعارضة للطرفين. بناء على ذلك، ننصح إسرائيل بالتعامل بحذر مع وعود روسيا فى هذا الاطار، وتحسين قدرتها على استخدام القوة بحكمة ومن وراء الكواليس، ضد أهداف التمركز الإيرانى فى سورية، وفقا لعدد من المبادئ:
أــ الاتفاق مع روسيا على وجود إيرانى خاضع للرقابة شمالى دمشق على بعد لا يقل عن 40 كيلومترا من هضبة الجولان، وأن يكون هذا الوجود محدودا زمنيا حتى خروج جميع القوات الأجنبية من سورية، مع التشديد على الحاجة إلى رقابة روسية على الأرض، بالإضافة إلى حرية عمل إسرائيلية فى المجال السورى ــ اللبنانى بهدف المحافظة على مصالح إسرائيل الأمنية الحيوية.
ب ــ مشاركة إسرائيلية فى النقاشات والقرارات المتعلقة بصياغة سورية والنظام فيها.
ج ــ انخراط إسرائيلى بما يجرى فى سورية سواء مباشرة أو عبر الأردن، وتقديم مساعدة إلى قوات «الجيش السورى الحر» الذى تخلت عنه الـ«سى آى إي» فى الفترة الأخيرة، وإقناع الولايات المتحدة بالعودة إلى تأييده من أجل كبح نفوذ القوات الإيرانية والتحالف المؤيد للأسد.
د ــ استخدام ذكى لقوة الايذاء الإسرائيلية فى المجال السورى واللبنانى كوسيلة لترسيخ الردع وإقناع روسيا باحترام الخطوط الحمراء التى وضعتها إسرائيل لإيران.
هــ عملية حكيمة لزيادة نقاط الاحتكاك بين روسيا وإيران، فيما يتعلق بالتنافس على الهيمنة على سورية والتأثير فى صياغة بنية الحكم فى الدولة.
تسفى مَغين وأودى ديكل وسيما شاين