سمك وبطاطس
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 6 سبتمبر 2022 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
الوجبة الشعبية فى بريطانيا هى سمك وبطاطس، أو ما يُطلق عليه «فيش آند شيبس»، تنتشر محلات بيعها فى كل مكان، ويأخذها المار فى قرطاس من الورق، يأكلها على السريع كما يُقال أمام المحل أو فى حديقة أو فى زاوية على ناصية الشارع أو على شاطئ البحر إذا كان فى مدينة ساحلية، المهم أنها أكلة بسيطة غير مكلفة. أتذكر أنه فى عام 2000 كنت أحصل عليها مقابل جنيه ونصف الجنيه إسترلينى، وبعد نحو عشر سنوات زاد سعرها إلى الضعف، الآن صار ثمنها ما يقرب من ثلاثة عشر جنيها إسترلينيا. والسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة. فى أعقاب اندلاع الحرب فى أوكرانيا ارتفعت أسعار زيوت الطعام والبطاطس إلى الضعف، ثم توالت الزيادات فى أسعار الطاقة حتى صارت المحلات تدفع أضعاف ما كانت تدفعه نظير استهلاك الغاز من نحو 10 آلاف إلى 30 ألف جنيه إسترلينى سنويا. ومما زاد الطين بلة موسم الجفاف الذى أصاب بريطانيا ساهم فى رفع أسعار البطاطس 25% عن السعر السائد.
تكالبت عوامل كثيرة على هذه الوجبة الشعبية، حتى صار ثمنها ثلاثة عشر جنيها إسترلينيا دون أى إضافات أخرى قد تسهم هى الأخرى فى رفع سعرها. منذ سنوات ليست بعيدة كانت الأسرة البسيطة المكونة من ثلاثة أفراد مثلا تشترى ثلاث وجبات من «فيش آند شيبس» بما لا يجاوز خمسة عشر جنيها، الآن تدفع ما يقرب من أربعين جنيها إسترلينيا. وإذا أخذنا فى الاعتبار أن هذه الأسرة قد تستخدم مواصلات عامة، وتشترى زجاجات مياه، وتتمشى فى حديقة أو على شاطئ، وربما تأكل «أيس كريم»، قد تصل فاتورة ما تدفعه لأكثر من خمسين جنيها استرلينى. وهو رقم مرتفع. هذه الأسرة لم تجلس فى مطعم، أو تطلب طعاما فاخرا، بل «أكلة شعبية» عادية اعتاد المارة تناولها لانخفاض ثمنها، وطيب مذاقها.
يشير تحقيق نشرته «جارديان ويكلى» إلى أن الناس فى أوروبا لا تطيق أن تسمع كلمة «شتاء»، تخشى «فقر الطاقة»، حيث ارتفعت فاتورة الغاز التى تدفعها الأسرة البريطانية إلى 3500 جنيه إسترلينى سنويا، وهو رقم كبير جدا، إذا قورن بما كانت تدفعه منذ عامين فقط (1370 جنيها إسترلينيا فى المتوسط)، ومن الطبيعى أن تخشى الأسرة متوسطة الحال من العجز عن دفع هذه الفاتورة، وبالتالى تفتقر إلى التدفئة فى الشتاء القارص.
العالم يعانى من تداعيات الحرب فى أوكرانيا، التى لا يوجد هدف واضح لاستمرارها سوى رغبة كل طرف فى تحقيق انتصار كامل على الطرف الآخر. المعاناة تصل إلى مفاصل المجتمعات، إلى الأسر متواضعة الحال، والأكلات الشعبية، وأبسط احتياجات الناس، وإذا ظل أفق انهاء الحرب مغلقا، فإن الأسعار ستواصل ارتفاعها، خاصة أسعار الطاقة.
هذا حديث من بريطانيا، وليس من مصر أو باكستان أو سيرلانكا، حيث خيمت المعاناة على الشوارع والبيوت، وكل مناحى الحياة، وتواجه الحكومات سلسلة من الأزمات، تحلها تارة بدعم الفقراء ومتوسطى الحال، وتارة أخرى بتخفيض الضرائب، وتارة ثالثة بتجميد فواتير استهلاك الطاقة مثلما فعلت بعض الدول، ولكن هذه مجرد حلول مؤقتة للتعامل مع ظاهرة، لا يلوح حل لها فى الأفق، وطالما أن هناك من يكسب وهناك من يخسر من الوضع الراهن، فالكاسب سيحافظ على مكاسبه، والخاسر سيظل يئن متوجعا.